لا يَليقُ به في ذاتِه وصِفاتِه وأقوالِه وأفعالِه، فليسَ في أجناس المُحَرَّمات أعَظمُ عِند الله مِنه، ولا أشدَّ إثمًا، وهو أصلُ الشِّرك والكُفر، وعليه أسسَت البِدَع والضلالات، فكل بِدعَة مُضِلَة في الدين أساسُها القول على الله بِلا عِلم" اهـ مِن كلام الإمام (ابن القَيم) –رَحِمَه الله- في كِتابِه الماتِع «مَدارِج السالكين» (1/ 397).
فليسَت أحكامُ الدِّين تُعرَفُ بالعَقلِ والرأي؛ فيُستحسَن مِنها ما استحسَنَه العَقل، ويُستقبَحُ ما استقبَحَه العَقل! بل أحكام دينِنِا مَصدَرُها الكِتابُ والسُّنَّة، وجَميع المصادِر التَّشريعية الأخرى (كالإجماع والقياس وغَيرِها) إنَّما تَستَنبِط مِن الكِتاب والسُّنَّة. ألم تَسمَع قَولَ الإمامِ (الشَّافعيِّ) –رَحِمَه الله-: "مَن استحسَن فَقَد شَرع"؟!
وَوَاللهِ إنَّ نَبذَ أحكامِ الكِتاب والسُّنَّة وفَهمِ عُلمائِنا لِكليهما لَخَطرٌ عَظيمٌ، تُخشَى عواقِبُه على فاعِلِه!
أيصِحُ أن نُقابِلَ نُصوصَ الكِتاب والسُّنَّة وقواعِدَ العُلماء المَبنيَّةَ عَليهما بآرائِنا واستشكالاتِنا وفَهمِنا القاصِر؟!!
ألم يَكفِك –أخي- أنَّنِّي قد ذَكَرتُ لك أنَّ الحُكم بِبدعيَّة هذا القَول قد أفتَى به العلامةُ (ابنُ بَاز) –رَحِمَه الله- وأعضاءُ اللجنة العلمية الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة، والعلامةُ المُحَقِّقُ (بَكر بن عَبد الله أبو زيد) –حَفِظَه اللهُ-؟!!
يا أخي الكَريم إن كان هُناك ثَمَّة استشكال عِندَك بخصوص هذه المَسألة فاطرَحه للنِّقاش، ولكن على سَبيل التَّعلُّم لا على سَبيل التَّعقيب على العُلماء. واعْلَم أنَّ تَعقُّبَك هذا ليس تَعقُّبًا عَليَّ؛ إنَّما هو تَعقُّبًا على عُلمائِنا الأفاضِل الذين أفتَوا بِبِدْعيَّة هذا القَول بعد الفَراغِ مِن التلاوة.
يقول العلامَةُ (محمد بن محمد المختار الشنقيطي) –حَفِظَه الله وشفاه ورعاه-: "يَنبَغي لكُلِّ طَالِب عِلمٍ أن يَحفَظَ قَدرَه وأن يَحفَظَ للعُلماءِ حَقَّهم. ولذلك أنَبِّه عَلَى ما شَاعَ وذاعَ بَينَ كَثيرٍ مِن طُلاب العِلم وخاصَّةً في هذه الأزمنة، وإلَى اللهِ المُشتَكَى ...
كَثيرٌ مِن الأمور تحُكى عن أهل العلم ويأتي طالب العلم ويُورِد سؤالَه على سبيل التَّعقيب وعلى سبيل الاجتهاد، ويقول: كيف هذا، قد ورد هذا. إنَّما يقول ذلك على سبيل الاستشكال؛ يقول: أشكل عندي كلام العلماء، أشكل علي، وكيف نُوَفِّقُ بين هذا وبين قول النبي (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم)؟! وأمَّا أن يُورِدَ الشيءَ عَلَى أنَّه نَوع ٌمِنَ التَّعقيب عَلَى العُلماءِ أو نَوعُ مِنَ الأخذِ عَلَىَ كَلامِهم فَهَذَا لا يَنبغي عَلَى طالِب العلم. المُنبَغي عَلَىَ الإنسانِ أن يَعلمَ أنَّ هؤلاء العُلماءِ كانُوا عَلَى دَرَجَةٍ مِنَ الوَرَع وخَوفِ الله –جَلَّ وعَلا- ما يَمنَعُهم عَن أن يَقولوا عَلَىَ اللهِ بِدُون عِلم" اهـ كلامُه –جزاه الله خيرًا- نقلا عَن «شَرح زاد المُستقنِع»، شَريط رَقم (6/ ب).
وأمَّا الجوابُ عَمَّا أورَدتَه مِن الاستكشالات (!)؛ فهاكَ الجواب:
(1) قَولُك: "هل الكلام الطَّيب والثناء على الله يُعتَبَر ضَلالا" اهـ.
قُلتُ: إنَّما الطِّيبُ مِن الكَلام هو ما حَكَمَ بِطيبِه الشَّرعُ، والحَسَنُ ما حَسَنَه الشَّرعُ، وقد يكونُ الكلامُ طَيِّبًا في أصلِه، فإذا وُضِعَ في غَير مَوضِعِه الذي عَيَّنَه وقَيَّدَه به الشَّرعُ؛ صار مُستقبَحًا يَرفُضُه الشَّارِع الحَكيم –جَلَّ وعَلا. وقد يكونُ الكلام مُستقبَحًا في أصلِه، فيَظُنُّه المُكَلَّفُ طَيِّبًا لِجَهلٍ أو تأويلٍ أو غَيرِهما.
والثناءُ على اللهِ إنَّما يكونُ بما أثنَى به رَبُّنَا على نَفسِه أو أثنَى رسولُه (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) عَليه، أما ثناءُنا نَحنُ العَبيدُ يَجِبُ أن يكون مُقَيِّدًا بما أثنى به رَبُّنَا أو رَسولُه على اللهِ –تبارَك وتعالَى. والثناءُ على اللهِ يكونُ بأسمائه وصفاتِه الحُسنَى، ومِن المُقَرَرِ عِند عُلماء أهل السُّنَّة والجَمَاعَة أنَّ "أسماءَ الله تَوقيفيَّةٌ لا مَجالَ للعِقل فيها" و"الأدِلَة التي تُثبَتُ بِهَا أسماءُ اللهِ تعالى وصِفاتُه هي كِتابُ اللهِ –تعالَى- وسُنَةُ رَسولِه (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم)؛ فلا تُثبَتُ أسماءُ الله وصِفاتُه بِغَيرِهما"،
¥