وما ذكره بعضهم من أن الروم يقع في الوصل أيضا في الإدغام الكبير، وفي وسط الكلمة الحكمية،
نحو: لا تأمنّا، ونعمّا، ولا يهدّي، ويخصّمون،
فيه أن ذلك من قبيل الاختلاس على التحقيق كما هو الظاهر من كلامهم ولذا عبر عنه بالإخفاء في الشاطبية في مواضع كثيرة.
نعم، يستقيم على ما ذكره صاحب الصحاح من أن الروم: حركة مختلسة مخفاة بضرب من التخفيف.
والصواب ما عليه القراء وإجراء كل اصطلاح عند أهل فنه.
ثم إنه لابد من حذف التنوين من المنون مع الروم.
واعلم أن المعتبر في جواز الروم ومنعه الحركة الظاهرة الملفوظ بها سواء كانت أصلية أو نائبة عن غيرها.
(33 - الإشمام)
الإشمام لغة: مأخوذ من أشممته الطيب، أي وصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به وهو الرائحة
وعرفا: عبارة عن ضم الشفتين كهيئتهما عند التقبيل بعد تسكين الحرف.
أو يقال: هو أن تجعل شفتيك بعد النطق بالحرف ساكنا على صورتهما إذا نطقت بالضمة.
وقال السخاوي: هو الإشارة إلى الحركة من غير تصويت،
وقال في موضع آخر: حقيقته أن تجعل شفتيك على صورتهما إذا لفظت بالضمة،
وكلاهما واحد، لأن الإشارة في كلامه معناها: أن تجعل شفتيك على صورتهما إذا نطقت بالضمة، ويرجعان إلى المعنى الأول، لأن الإشارة لا تكون بعد سكون الحرف، وهذا مما لا يختلف فيه،
وقول الشاطبي:
وَالاِشْمَامُ إِطْبَاقُ الشِّفَاهِ بُعَيْدَ مَا ... يُسَكَّنُ لاَ صَوْتٌ هُنَاكَ فَيَصْحَلاَ
فسره بعضهم بقوله: هو حذف كل حركة المتحرك، فضم الشفتين في الوقف بلا صوت يسمع،
وبعضهم بقوله: هو إطباق الشفاه بعيد السكون من غير صوت مسموع عنده.
فهو أيضا راجع إلى المعنى الأول كما لا يخفى.
وقوله "إطباق الشفاه"، يريد به ضمها كهيئتها عند التقبيل بحيث يكون بين الشفتين فرجة لإخراج النفس. وليس مراده بالإطباق حقيقته، لأنه يقتضي أن الإشمام لا فرجة معه، وليس كذلك. و"الشفاه"، بالهاء جمع شفة، وإنما جمعها باعتبار القارئين، أو هو من باب قولهم عريض الحواجب، عظيم المناخر. ثم هو قيد أخرج به الإسكان المجرد،
وقوله "بعيدما يسكن"، أي بعيد السكون وأتى به بالتصغير ليفيد اتصال ضم الشفتين بالإسكان، يعني من غير تراخ، فلو تراخى فإسكان مجرد لا إشمام فيه لعدم التبعية.
وقوله "لا صوت"، إشارة إلى الفرق بينه وبين الروم، لأن الروم معه صوت ضعيف، كما مر، وهذا عار منه.
واعلم أن الأعمى لا يدرك الإشمام من غيره لأنه مما يرى ولا يسمع، ولهذا لا يأخذه الأعمى عن مثله، بخلاف الروم، فإن الأعمى يدركه من غيره بسمعه، والبصير يدركه بسمعه وبصره، لأنه مما يرى ويسمع.
وما ذكرناه في حقيقة الروم والإشمام هو مذهب القراء ونحاة البصريين، غير ابن كيسان. وذهب الكوفيون وابن كيسان إلى العكس فسموا الروم إشماما والإشمام روما.
وهو اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا عرفت الحقائق.
وأما قول الجوهري في الصحاح: "إشمام الحرف أن تشمه الضمة أو الكسرة، وهو أقل من روم الحركة لأنه لا يسمع، وإنما يتبين بحركة الشفة العليا، ولا يعتد بها حركة لضعفها، الحرف الذي فيه الإشمام ساكن أو كالساكن".
فهو خلاف ما يقوله الناس في حقيقة الإشمام، وفي محله، فلم يوافق مذهبا من المذهبين.
والإشمام يكون في المضموم من المبنيات وفي المرفوع من المعربات.
فالمضموم نحو: من قبل ومن بعد، ويا جبال.
والمرفوع نحو: الله الصمد، ولا يصيبهم ظمأ، ونستعين،
وإنما اختص بهما لأن معناه -وهو ضم الشفتين- إنما يناسب الضمة لانضمام الشفتين عند النطق بهما دون الفتحة والكسرة لخروج الفتحة بانفتاح والكسر بانخفاض، ولأن إشمام المفتوح والمكسور يوهم ضمهما في الوصل. ولا يختص بآخر الكلمة بل كما يكون في آخرها يكون في غيره كما في: تأمنا، في وجه الإشمام خلافا لمكي في تخصيصه بالآخر.
واعلم أن مما ذكرناه أشياء يتعين الوقف عليها بالإسكان مطلقا أو في قول، وجملتها أربعة:
(اثنان متفق على عدم دخول الروم والإشمام فيهما وهما)
1 - هاء التأنيث
2 - وعارض الشكل
(واثنان مختلف فيهما وهما)
3 - ميم الجمع
4 - وهاء الضمير
وتفصيل الكلام عليهما في المطولات، فارجع إليها إن شئت.
(34 - الحذف)
قد علمت أنه بمعنى الإسقاط الإزالة. وهو هنا يكون في أربعة أشياء:
1 - تنوين المرفوع والمجرور
2 - صلة هاء الضمير وهي الواو والياء
3 - صلة ميم الجمع، وهي كذلك
¥