تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والسبب الذي دعاني لهذه السلسلة في التأصيل اعتقاد بعض البسطاء ممن دخلوا في هذا العلم أن الاختلاف في مسائل التجويد قد يصل إلي حد تبديع المخالف،وكل يجعل من نفسه إماما وعالما وهو فقير لا يعلم أنه يضع نفسه في مخالفة الأئمة أخذا منه بظاهر أقوال بعض علماء التجويد،ولما وجدت أن الجميع يستدل بقوله تعالي:" {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} قلت أبحث عن تفسير هذه الآية وما هي أقوال المفسرين وأيضا الأصوليين في الآية،وأعلم أن النتيجة التي وصلت إليها ـ تبعا لكثير من العلماء ـ ستكون صدمة للبعض خاصة أدعياء العلم،ومن قالوا بالتغير الصوتي في القرآن بمجرد أن نطقوا حكم الميم أو النون والتنوين مع الباء بفرجة، ومجرد الخلاف في كلمة "نذر" هل الراء مرققة أو مفخمة وهكذا سائر أحكام الخلاف فيمن هو من قبيل الهيئة، ولنبدأ بسرد أقوال المفسرين في قوله تعالي {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون}.

قال الطبري:" قوله تعالى ذكره: (إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ) وهو القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) قال: وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه، والهاء في قوله: (لَهُ) من ذكر الذكر."

قال الرازي:" القول الأول: أنه عائد إلى الذكر يعني: وإنا نحفظ ذلك الذكر من التحريف والزيادة والنقصان، ونظيره قوله تعالى في صفة القرآن: {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] وقال: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً} [النساء: 82].

فإن قيل: فلم اشتغلت الصحابة بجمع القرآن في المصحف وقد وعد الله تعالى بحفظه وما حفظه الله فلا خوف عليه.

والجواب: أن جمعهم للقرآن كان من أسباب حفظ الله تعالى إياه فإنه تعالى لما أن حفظه قيضهم لذلك قال أصحابنا: وفي هذه الآية دلالة قوية على كون التسمية آية من أول كل سورة لأن الله تعالى قد وعد بحفظ القرآن، والحفظ لا معنى له إلا أن يبقى مصوناً من الزيادة والنقصان، فلو لم تكن التسمية من القرآن لما كان القرآن مصوناً عن التغيير، ولما كان محفوظاً عن الزيادة ولو جاز أن يظن بالصحابة أنهم زادوا لجاز أيضاً أن يظن بهم النقصان، وذلك يوجب خروج القرآن عن كونه حجة.

والقول الثاني: أن الكناية في قوله: {لَهُ} راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى وإنا لمحمد لحافظون وهو قول الفراء، وقوى ابن الأنباري هذا القول فقال: لما ذكر الله الإنزال والمنزل دل ذلك على المنزل عليه فحسنت الكناية عنه، لكونه أمراً معلوماً كما في قوله تعالى: {إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1] فإن هذه الكناية عائدة إلى القرآن مع أنه لم يتقدم ذكره وإنما حسنت الكناية للسبب المعلوم فكذا ههنا، إلا أن القول الأول أرجح القولين وأحسنهما مشابهة لظاهر التنزيل، والله أعلم.

المسألة الثالثة: إذا قلنا الكناية عائدة إلى القرآن فاختلفوا في أنه تعالى كيف يحفظ القرآن قال بعضهم: حفظه بأن جعله معجزاً مبايناً لكلام البشر فعجز الخلق عن الزيادة فيه والنقصان عنه لأنهم لو زادوا فيه أو نقصوا عنه لتغير نظم القرآن فيظهر لكل العقلاء أن هذا ليس من القرآن فصار كونه معجزاً كإحاطة السور بالمدينة لأنه يحصنها ويحفظها، وقال آخرون: إنه تعالى صانه وحفظه من أن يقدر أحد من الخلق على معارضته، وقال آخرون: أعجز الخلق عن إبطاله وإفساده بأن قيض جماعة يحفظونه ويدرسونه ويشهرونه فيما بين الخلق إلى آخر بقاء التكليف، وقال آخرون: المراد بالحفظ هو أن أحداً لو حاول تغييره بحرف أو نقطة لقال له أهل الدنيا: هذا كذب وتغيير لكلام الله تعالى حتى أن الشيخ المهيب لو اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له كل الصبيان: أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا، فهذا هو المراد من قوله: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} واعلم أنه لم يتفق لشيء من الكتب مثل هذا الحفظ، فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير، إما في الكثير منه أو في القليل، وبقاء هذا الكتاب مصوناً عن جميع جهات التحريف مع أن دواعي الملحدة واليهود والنصارى متوفرة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير