تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثانياً: قرأت القرءان الكريم ختمة كاملة منذ عشر سنوات بقراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي على الشيخ عبيد وقد أجازني بذلك والحمد لله ولازمته لمدّة ثلاثة أشهر ملازمة تامّة وما سمعته قطّ يقول بأنّ الضاد تلفظ ظاءاً بل كان ولا يزال حفظه الله يؤكّد على التمييز بينهما في المخرج والاستطالة مع تشابههما في السمع وكان لا يرى النطق بالضاد ظاءاً إلاّ لمن صعب عليه النطق بالضاد لا سيما الأعاجم من الأفغان والهند وباكستان وغيرهم عملاً بأخفّ الضررين وذلك لكون الظاء أقرب الحروف صفة وشبَهاً إلى الضاد بخلاف الدال المفخّمة أو الطاء التي يقرأ بها اليوم والرسالة التي ألّفها والمسماة (تنبيه العباد إلى كيفية النطق بالضاد) تشهد لما قلت فقد قال في خاتمة الكتاب " بعد أن تبيّن لمتّبعي الحقّ أنّ الضاد المنطوقة في كثير من بلاد الإسلام، ومن كثير من القرّاء والأنام، هي في حقيقتها ليست إلاّ دالاً مفخّمة أو مرققة وأنّه لا يجوز نطق الضاد على تلكم الصورة، وأنّ الصواب نطقها ضاداً مشابها للظاء إلا في المخرج وأن التقارب بين الظاء والضاد يجوز عند عدم القدرة بنطق الضاد نطقها بالظاء وأن ذلك أولى من نطقها دالاً اهـ ص28). وقال أيضاً " فالواجب التعلّم بأن يخرج الضاد من مخرجه إذا أمكن وإلاّ يخرجها ظاءاً خالصاً لأنّهما متشابهان صوتاً وسمعاً لا فرق بينهما إلاّ في المخرج والاستطالة وباقي الصفات مشتركة " نفس المصدر ص 24. قلت هل كلامه هذا يدل على أن الضاد تُقرأ ظاء مطلقاً؟ فمن أين أتى بهذا القول.؟

ثالثاً: قد وفقني الله أن زرت الشيخ عبيد الله الأفغاني في الحرم النبوى في موسم الحجّ الفارط وأخبرته أن واحداً من الأساتذة يزعم أنّكم تقولون بأنّ الضاد تُنطَق ظاء فقال مجيباً " هذا كذّاب حسبنا الله ونعم الوكيل ". والشيخ والحمد لله لا يزال يُقرئ في المسجد النبوي لمن أراد أن يتحقق من قولي هذا.

رابعاً: القول بتشابه الحرفين في السمع أو جواز استعمال أحدهما مكان الآخر عند تعذّر النطق بالضاد قاله غير واحدٍ من علماء الإسلام كمكّي في الرعاية وابن تيمية وابن كثير وغيرهم من علماء التجويد واللغة والأصول والفقه والتفسير وحتّى العلماء المعاصرون كالشيخ الألباني والشيخ بن باز والشيخ العثيمين رحمهم الله وفتاواهم موجودة في كتاب الشيخ عبيد الله الأفغاني فكيف يحذّر هذا الأستاذ من الشيخ عبيد في مسألة أقرّها علماء الإسلام قديماً وحديثاً، وخاصّة أنّ الخلاف في هذه المسألة قديم كما ذكر الشيخ غانم قدوري الحمد في كتابه الدراسات الصوتية. والضاد من أصعب الحروف حيث قال مكّي في ذلك الوقت " وهو أمرٌ يقصر فيه أكثر من القراء والأئمّة " وهذا الكلام قاله في أوائل القرن الخامس فما بالك اليوم. ويأتي هذا المغرور ويخطّئ المشايخ بسهولة تامّة.

خامساً: لماذا لم يقدح الأستاذ في المشايخ الذين يوافقون الشيخ عبيد في هذه المسألة كالشيخ السيّد عامر عثمان رحمه الله والشيخ إبراهيم شحاته السمنودي وغيرهم من المقرئين المعاصرين في مصر وفي مكّة والمدينة وهم موجودون بكثرة.

سادساً: لماذا لم يقدح ولم يحذّرمن العلماء الذين يخالفهم في بعض المسائل التي يترتّب على تطبيقها تغيير في الصوت كالذين يقرءون بالفرجة في الإقلاب والإخفاء الشفوي، أو الذين يجعلون مرتبة التفخيم للساكن بعد الكسر في مرتبة المكسور، أو الذين يجعلون القلقلة تابعة للفتح أو لحركة ما قبلها، فأين العدل والإنصاف؟. مع أنه من المفروض أن لا فرق بين مسألة الضاد وهذه المسائل في الخطأ إذ يترتّب على جميعها تغييرٌ في الصوت.

سابعاً: أن الشيخ عبيد الله الأفغاني من علماء التجويد واللغة العربية مجتهد مأجورٌ على كلّ حال فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، وقد تلقّى الضاد الشبيهة بالظاء عن شيخه بالسند المتصل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم وهذا النطق هو الموافق لما ذكره صاحب الرعاية والأدلّة التي ساقها بن غانم المقدسي والمرعشي رحم الله الجميع والتي ما استطاع أحد أن يردّ عليها إذ لو استطاع أحد مع المعاصرين أن يردّ عليهما لبادر إلى ذلك وهيهات حتى وصل بهم الأمر أن يقولوا إن إسماعيل الأزميري ردّ عليهما ردّاً مفحماً فما لنا أن نقول لهؤلاء إن كان هذا الردّ مفحماً حقاً فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

ثامناً: أم يتجرّأ أحد من كبار العلماء في المدينة النبوية من التحذير والقدح في الشيخ عبيد الله الأفغاني فكيف بهذا الأستاذ يقوم بذلك، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله. وأذكر أنني كنت جالساً مع شيخي عبيدالله في الحرم المدني عندما كنت أعرض عليه القرءان، فرأيت الشيخ الحُذَيفي حفظه الله إمام وخطيب المسجد النبوي يقترب من الشيخ فلمّا دنا منه ورءاه الشيخ عبيد قام إليه وتعانقا تعانقاً شديداً. انظر كيف كانت المودّة بينهما مع أنّهما لا يتّفقان في مسألة الضاد. ثمّ يأتي هذا الأستاذ المغرور ويتكلّم ويحذّر من الشيخ عبيد.

والشيخ عبيد من القرّاء المسندين المعروفين في المدينة وقد رفعه الله بهذا القرءان إذ يزدحم الناس عليه إلى اليوم. فانظر كيف جعل الله له القبول في المدينة حتى من أكابر مشايخها كالشيخ الحذيفي وغيره وكلّ ما تُكُلّم فيه لم يضره ولن يضرّه قط كما قيل:

على أنّه من كان شَمساً مَقَامُهُ ......... فلا الْمَدْحُ يُعْلِيهِ ولا الذَّمُ ضاَئِرُ

هذا ما أردتّ قوله باختصار وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمد يحي شريف الجزائري

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير