ثمّ قال رحمه الله " فإن قلت: قد وجدنا في الكتب المشهورة المتلقّاة بالقبول تبايناً في بعض الأصول والفرش، كما في الشاطبية نحو قراءة ابن ذكوان {تتبعانّ} بتخفيف النون وقراءة هشام {أفئدة} بياء بعد الهمزة، وكقراءة قنبل {على سوقه} بواوٍ بعد الهمزة، وغير ذلك من التسهيلات والإمالات التي لا توجد في غيرها في الكتب إلاّ في كتابٍ أو اثنين وهذا لا يثبت به التواتر. قلت: هذا وشِبهه وإن وإن لم يبلغ مبلغ التواتر صحيح مقطوع به، نعتقد أنّه من القرءان، وأنّه من الأحرف السبعة التي نزل بها." نفس المصدر ص90.
وقال رحمة الله عليه " ونحن ما ندّعي التواتر في كلّ فردٍ فردٍ مما انفرد به بعض الرواة، أو اختصّ ببعض الطرق، لا يدّعي ذلك إلاّ جاهل لا يعرف ما التواتر، وإنّما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين:
1 - متواترٌ.
2 - وصحيح مستفاض، متلقّى بالقبول، والقطع حاصلٌ بهما." نفس المصدر ص91.
أقول: على ما تقدّم من كلام ابن الجزري رحمه الله يتبيّن أنّ نصوص الأئمّة الذين نقلوا لنا علم القراءات والتجويد تفيد القطع اليقين وهذا يستلزم ضرورةً أنّها في المنزلة بمثابة النصوص الشرعية في الأحكام. كيف لا والقرءان الذي نقرؤه الآن واردٌ من تلك المصادر ورواية حفص التي نقرؤها اليوم مصدرها الشاطبية والتيسيرلأبي عمروالداني والتذكرة لابن غلبون. ومن شكّك في هذه النصوص فإنّه يشكّك في القرءان الذي نقرؤه الآن والله المستعان.
سؤال آخر متعلّق بالنصوص: ما حكم المسائل الخلافية الواردة في نصوص الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى
يمكن تقسيم النصوص التي ورد فيها الخلاف عند أئمّة الإقراء إلى عدّة أقسام:
- المسائل الاجتهادية نحو مسألة جواز الروم الإشمام في ميم الجمع. فالخلاف في هذا النوع لا يضرّ لأنّه لا يخالف النصوص والمشافهة.
- ألأوجه الخلافية الثابتة بالنصّ والمشافهة مع تواترها كالخلاف في كيفية الإشمام في نحو "سيئت " والميم الساكنة عند الباء ونحو ذلك. فحكم هذا النوع من المسائل هو إثبات جميع الأوجه من غير إلغاء أحدها مع جواز تقديم أحدها على الآخر بحسب قوّته شهرةً والقياساً.
- الأوجه الخلافية التي وإن ثبتت بالنصّ والمشافهة إلاّ أنّها لم تبلغ حدّ التواتر ولم تتلقّى بالقبول نحو ترقيق الراء المكسورة المتطرفة وقفاً في نحو {والفجرِ} وترقيق راء {مريم} وغيرها. فحكمها هو الإلغاء لعدم تلقّيها بالقبول وإن ثبتت.
سؤال مهمّ: ما هي النصوص المعتبرة من النصوص الغير المعتبرة؟
لايمكن تحديد النصوص المعتبرة على سبيل الحصر وهذا يحتاج إلى دراية بجميع الكتب القديمة والحديثة ولكن لا بأس أن نشير إليها على سبيل التقريب.
فالنصوص المعتبرة هي الكتب القريبة عهداً بسلف الأمّة فكان مؤلّفوها أقرب جيلاً إلى جيل الصحابة والتابعين فدوّنوا في كتبهم ما تلقّوه عن مشايخهم بالسند المتصل إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام وهذا الجيل يمكن حصره على سبيل التقريب من القرن الثاني أي من عهد سيبويه رحمه الله تعالى إلى عصر ابن الجزري حيث لا يمكن الاستغناء عن كتب ابن الجزري الذي هو مصدرالقراءات التي يقرأ بها اليوم. زيادة على ذلك هناك كتب في التجويد والقراءات ألّفت بعده رحمه الله وتلقّاها الناس بالقبول كشرح الطيّبة للنويري وكتب مصطفى الأزميري والمتولّي وجهد المقلّ للمرعشي شروح الجزرية المعروفة وغيرها من الكتب التي اشتهرت وهي متداولة بين أهل العلم المتأخرين ولا شكّ أنّ هذه كتب لها منزلة معتبرة لأنّها تعتمد على الكتب القديمة زيادة على ذلك أنّها توضّح وتشرح وتناقش ما تضمنته تلك الكتب.
أمّا الكتب المتأخرة والتي تعتمد على أقوال المتأخرين أكثر مما تعتمد على أقوال المتقدّمين ولو نقلت أقوال المتقدمين فإنّها تنقلها كما هي من غير تدقيق ولا مناقشة وأكثرها امتازت بكثرة حجمها والإكثار من الأمثلة التطبيقية والتمارين العلمية والتقليد فيها أكثر من الاتّباع في أغلب الحالات وبداية هذه المؤلّفات تقريباً بعد كتاب نهاية القول المفيد للعلامة محمد مكي نصر (ت1305) على ما ذكره الدكتور غانم قدوري الحمد وهذا بغضّ النظر عن المؤلّفات في القراءات التي وإن ألّفت بعد الشيخ محمّد مكي نصر إلاّ أنّها امتازت بالدّقة حيث لا يمكن لأيّ طالب أو عالم الاستغناء عنها
¥