تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى ما تقدّم من البيان أظنّ والحمد لله أنّي قد أجبت على السؤال وتبيّن أنّي لم أنفرد بهذا القول وما ينبغي لمثلي أن ينفرد برأي والله الموفّق.

وإن قال قائل:

هل سبقك أحد من العلماء المعتبرين إلى إنزال نصوص الأئمة منزلة القرءان والسنة؟

الجواب:

لا يمكن إنزال أي كلام من كلام المخلوق منزلة كلام الخالق عزّ وجلّ، فالكلام الذي منبعه الوحي لا يقارن بكلام المخلوق على الإطلاق، وإنّما مرادي بأنّ نصوص الأئمّة هي بمنزلة الكتاب والسنة من حيث قطعيّة الدلالة أي أنّ هذه النصوص تفيد القطع في علم التلاوة كما أنّ القرءان والسنّة يفيدان القطع في الأحكام والعقائد فقد قال تعالى {ذلك الكتاب لا ريب فيه} أي لا شكّ فيه ولا يكون ذلك إلاّ بالقطع واليقين. فالقرءان الكريم نزل على محمّدٍ عليه الصلاة والسلام وأقرأ النبيّ صلى الله عليه وسلّم الصحابة وأقرأ الصحابة التابعين وهكذا حتّى وصل إلى القراء العشرة ومنهم حتّى وصل إلى العلماء الذين قاموا بتدوين ما تلقّوه بالسند إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم. والقرءان الذي نقرؤه اليوم مصدره من تلك الكتب التي ألّفت، ومن زعم أنّ تلك النصوص تفيد الظنّ ولا تفيد القطع واليقين فهو تشكيك في النصّ القرءاني. وقد تكفّل الله تعالى بحفظ كتابه فقال جلّ في علاه " إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون " فكانت هذه النصوص سبباً في صيانة القرءان من التغيير والتبديل وقد صرّح بن الجزري عليه رحمة الله تعالى على قطعية هذه النصوص كما ذكرنا في البحث.

أمّا بالنسبة لغنّة النون مع اللام فأقول ليس كل ما قرأ بن الجزري عن مشايخه مذكور في كتابه النشر فقد جمع في كتابه النشر أصحّ الطرق وأعلى الأسانيد وكذا الأوجه المستفاضة المتلقاة بالقبول. ومن المعلوم أنّه رحمه الله لم يذكر في كتابه الأوجه التي انفرد بها البعض دون الآخرين حيث ليس كلّ ما ذكر في أصول النشر مقبول حيث لو جمعت جميع الطرق لتلك المصادر لبلغت الآلاف ولكنّه اختار من تلك المصادر ألف طريق واستبعد غيرها لعدم التوفر فيها الشروط التي ألّف من خلالها كتابه النشر.

فالنصوص التي بلغت حدّ التواتر واستفاضت وتلقّتها الأمّة بالقبول هي النصوص التي تفيد القطع واليقين وليست كلّ النصوص فلذلك قال بن الجزري رحمه الله " ونحن ما ندّعي التواتر في كلّ فردٍ فردٍ مما انفرد به بعض الرواة، أو اختصّ ببعض الطرق، لا يدّعي ذلك إلاّ جاهل لا يعرف ما التواتر، وإنّما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين:

1 - متواترٌ.

2 - وصحيح مستفاض، متلقّى بالقبول، والقطع حاصلٌ بهما." منجد المقرئين ص91.

فيحتمل أن تكون الغنّة في الموصول ثابتة نصاً وأداءاً ولكن لم تتوفّر فيها الشروط التي ألزم بها نفسه عند تأليفه لكتاب النشر والعلم عند الله تعالى.

تنبيه:

لا أريد أن يُفهم من كلامي ما لا أريد، فالمشافهة أمرٌ ضروري لا بدّ منه ومن لم يشافه المشايخ لا يصلح للإقراء على الإطلاق حيث لا يمكن أن نتعرّف مثلاً عن كيفية الإشمام والاختلاس والإمالة والسكت وغير ذلك من الكتب دون المشافهة إلاّ أنّ المشافهة لا بدّ أن توافق نصوص الأئمة عليهم رحمة الله تعالى لما سبق من البيان فلذلك قال المرعشي رحمه الله " وتجويد القرءان قد يحصّله الطالب بمشافهة الشيخ الموجود بدون معرفة مسائل هذا العلم، بل المشافهة هي العمدة في تحصيله، لكنّ بذلك العلم يسهل الأخذ بالمشافهة، ويزيد به المهارة ويُصانُ به المأخوذ عن طريان الشكّ والتحريف كما صرّح به في الرعاية." جهد المقل ص110

هذا جوابي باختصار ولا أدّعي الكمال فيما ذكرت وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمد يحيى شريف الجزائري.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير