تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أوّلاً: قال المرعشي رحمه الله تعالى " .... لكن لما طالت سلسلة الأداء تخلل أشياء من التحريفات في أداء أكثر شيوخ الأداء، والشيخ الماهر الجامع بين الرواية والدراية المتفطّن لدقائق الخلل في المخارج والصفات أعزّ من الكبريت الأحمر، فوجب علينا أن لا نعتمد على أداء شيوخنا كلّ الاعتماد، بل نتامّل فيما أودعه العلماء في كتبهم من بيان المسائل هذا الفنّ، ونفيس ما سمعنا من الشيوخ على ما اودع في الكتب، فما وافق فهو الحقّ، وما خالفه فالحق ما في الكتب. اه " بيان جهد المقل ص 18 في هامش جهد المقل تحقيق أبوعاصم حسن بن عباس بن قطب طبعة مؤسسة قرطبة. أقول كلام المرعشي يكفي جواباً على هذا السؤال. وقال أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى: " ... والعلم فطنةً ودرايةً آكذ منه سماعاً وروايةً ... التحديد ص67. وقال مكي القيسي رحمه الله تعالى: " ... فنقل القرءان فطنة ودرايةً أحسن منه سماعاً وروايةً .. " الرعاية ص90.

ثانياً: مرادي بالمشافهة هو مشافهة المتأخرين وليست مشافهة القدامى حيث ذكرت في البحث أنّ القدامى كانوا يدوّنون ما تلقّوه عن مشايخهم بالسند فيستحيل إذاً أن تكون مشافهتهم لمشايخهم مخالفة لما دوّنوه.

والنصوص لا تتغيّر مع طول الزمان بخلاف المشافهة التي قد يعتريها بعض النقص لعدة أسباب أهمّها:

- الخلاف في بعض المسائل الأدائية التي مازلنا نتخبّط فيها وكلّ فريق يدّعي أنّه على الحقّ وأنّه تلقّى ذلك عن مشايخه بالسند مع العلم أنّ الحقّ واحد لا يتعدد إلاّ فيما ورد فيه الخلاف نصاً وأداءاً.

- تفاوت مستوى المتصدرين للإقراء فمنهم العالم المتبع الناقد ومنهم المقلّد ومنهم دون ذلك ومنهم ومنهم .... وقد ذكر أبو عمر الداني (ت444) في وقته قلّة المهرة من أهل الأداء حيث قال في مقدمة كتابه التحديد " أمّا بعد فقد حداني ما رأيته من إهمال قرّاء عصرنا ومقرئي دهرنا تجويد التلاوة وتحقيق القراءة ...... " التحديد ص66. وقال القرطبي (ت461) " ولمّا رأيت من قرأة هذا الزمان وكثيراً من منتهيهم قد أغفلوا اصطلاح ألفاظهم من شوائب اللحن الخفيّ وأهملوا تصفيتها من كَدَرِهِ وتخلّصها من دَرَنِهِ ..... " الموضح ص54. أقول: إن كان المنتهي من القراء في ذلك الزمان قد وصِف بالغفلة والإهمال فمابالك اليوم، وفي ذلك الزمان كان هذا العلم لا يؤخذ إلاّ بالمشافهة ولما كان التلقّى قد اعتراه شيء من النقص بالإهمال والغفلة قام الجهابذة كمكّي القيسي والداني والقرطبي والهمذاني وغيرهم رحم الله الجميع بتدوين هذا العلم لتصليح ألستنهم فكانت هذه النصوص سبب في أصلاح الكثير من اللحن الذي قد اعترى أهل الإقراء في تلك الأزمنة والأزمنة التي بعدها. فإن كانت هذه النصوص سبباً في أصلاح ألسنة أهل الإقراء في ذلك الزمان ألا يكون ذلك في زماننا من باب أولي؟ إن كان القرّاء في ذلك الزمان قد اعرتهم الغفلة والإهمال ألا يكون ذلك في زماننا من باب أولى؟ وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نعتمد على المشافهة مائة بالمائة لأجل ما سبق من البيان فكان لزاماً علينا أن نعرض ما تلقيّناه عن مشايخنا على نصوص أئمّتنا فما وافق أخذنا به وما خالف تركناه. ولأجل هذا كان النصّ مقدّماً على المشافهة.

ثالثاًً: لم يعتمد بن الجزري رحمه الله تعالى في كتابه النشر على المشافهة بالسند فقط بل اعتمد كل الاعتماد على الكتب التي روى منها القراءات فكان يقرئ بمضمون تلك الكتب ولا يتجاوزها ككتاب التيسير وجامع البيان والمستنير والمصباح والروضتين والتذكرة وغيرها من الكتب فكان باستطاعته أن يكتفى بذكر السند إلى صاحب الكتاب دون ذكر الكتاب. فذِكرُه للكتاب دلالة على توثيق ما تلقّاه عن مشايخه بهذه الكتب فكلّ ما روى من القراءات والروايات والطرق لا تخلوا من مصدر وهذا المصدر هي النصوص الواردة في تلك الكتب.

رابعاً: منهاج العلماء المحققين في التحقيق كالعلامة الأزميري والمتولّي والضباع وغيرهم رحم الله الجميع حيث كانوا يرجعون إلى هذه المصادر فما وافق ظاهر النشر عملوا به وما خالف ظاهر النشر تركوه ولو تلقّوه عن مشايخهم بالسند فهذا دليلٌ على أنّهم كانوا يقّدّمون النصّ على المشافهة وهذا المنهج هو الذي سار عليه الأزميري في بدائع البرهان والمتولّي في روض النضير وهو المنهج المأخوذ به الآن في مصر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير