تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[يحيى الشهري]ــــــــ[03 Dec 2005, 10:53 م]ـ

قال أ. د. غانم وفقه الله: (ولو أن الأمر توقف عند وصف حفص بعدم إتقان الحديث لكان مقبولاً، ولكنه تجاوز ذلك إلى الطعن في عدالته، واتهامه بالكذب عند بعض العلماء. وكيف يكون المرء مؤتمنًا على القرآن، متهمًا في الحديث؟ إنه أمر أشبه بالجمع بين النقيضين!

وكنت أتتبع الروايات المتعلقة بهذه القضية وأقاويل العلماء فيها، في محاولة لتفسيرها على نحو يخفف من أثرها، حتى لا تكون وسيلة للطعن في قراءة القرآن الكريم). اهـ.

الحقيقة أن الأمر لا يعدو ما ذكر الأستاذ من أن حفصًا موصوف بعدم الإتقان في الحديث، وما حصل من بعض النقاد في تكذيبه، يعود إما بسبب تشدد الناقد فلا نقبل ذلك منه، أو يمكن توجيه ذلك بما يعود على التساهل في الرواية من قبل حفص مما جعله يروي بعض الأحاديث الباطلة لتساهله في التحمل والأداء، وقد تكون العلة فيها من غيره.

فالأولى في نظري توجيه عبارات المحدثين والاعتذار بطريقة علمية عن الطرفين .. وهذا ما عسانا نحققه في هذه المقالة.

أما كيف يكون المرء مؤتمنًا على القرآن، متهمًا في الحديث؟ (إنه أمر أشبه بالجمع بين النقيضين!) فالأمانة موجودة عند حفص بن سليمان لا نشك في هذا، ولكن التساهل في الرواية وعدم معرفة طرائق القوم والتحفظ من رواية الغرائب والمنكرات، هو الذي جعله لقمةً سائغة في أفواه النقاد المهرة، فلو كان اقتصر على معرفة بالقراءة لكان خيرًا له، وهو ما قصر عليه عنوةً بعد ذلك فلا نقبل منه الرواية ونقبل منه القراءة.

ويشكر الدكتور على حرصه وغيرته على كتاب الله، لكن ينبغي أن يكون التفسير لألفاظ نقاد المحدثين وفق أصولهم وطريقتهم، فالمحدثون وفق منهجهم وقواعدهم لم يضعفوا قراءة حفص عن عاصم بل هي عندهم حجة في القديم والحديث، فإذا أخذ بعض الجهلة ضعفه في الحديث سببًا لتضعيف قراءته فلا يكون هذا حجة لنا لتوهيم كبار النقاد وزعم تواردهم على الخطأ، خشية من حصول طعن مبناه على التصور النظري، الذي لا أظنه يحدث، فقراءة حفص طبَّقت الآفاق منذ ما يزيد على اثني عشر قرنًا، ولم يجرؤ أحد على ردها أو الطعن فيها.

ـ[يحيى الشهري]ــــــــ[03 Dec 2005, 10:56 م]ـ

قال أ. د.غانم وفقه الله: (وقد انكشفت لي جوانب جديدة حول هذه القضية جعلتني أعود إلى دراستها وعرض نتيجة ما توصلت إليه حولها على المهتمين بالموضوع، وهي نتيجة أحسب أنها تسرُّ حملة القرآن، والمهتمين بدراسة القراءات، إن شاء الله تعالى، وأرجو أن تبعث السرور في نفوس المتخصصين بدراسة الحديث أيضًا، والحق أحق أن يُتبع. والحكمة ضالة المؤمن. وتتلخص تلك النتيجة في أن تضعيف حفص بن سليمان القارئ في الحديث أنبنى على وهمٍ وقع فيه بعض كبار علماء الحديث الأوائل، وانتشر عند من جاء بعدهم، وأضيف إليه حتى صار كأنه حقيقة مسلمة لا تقبل النقاش) اهـ.

قلتُ: الذي انكشف للدكتور الفاضل هو وَهمٌ وقعَ في الخلط بين حفص المنقري البصري، وحفص المقرئ الكوفي. والواهم في ذلك هو محمد بن إسماعيل البخاري ([1]) ومن تابعه من النقاد ([2]) والمؤرخين (وأنا لا أبرئهم من الخطأ) .. وأشدهم خطأً في ذلك ابن حبان إذا أحال العبارة إلى جرح بقوله: (كان يأخذ كتب الناس فينسخها ويرويها من غير سماع).

وممن أخطأ في حمل هذا الوهم الذهبي في (تاريخ الإسلام) ([3]) إذا قال في ترجمة حفص المقرئ: إنما دخل عليه الداخل في الحديث لتهاونه به. قال أحمد بن حنبل ... (فذكر القصة). وبقيتهم إنما تواتروا على النقل ولم يعدوا هذه القصة من قبيل الجرح.

والمهم هنا والذي أجزم به أن هذه القضية ليست هي سبب الضعف، كما نص عليه الأستاذ، ويشكر لطرحه ما توصل إليه على المختصين، وهذا من تواضعه وتسليمه لأهل الفن.

وإن سرَّت نتيجة بحثه حملة القرآن، والمهتمين بدراسة القراءات، فإنها لا تسرنا معاشر المحدثين بصورتها هذه؛ لأنه لا يسرنا براءة حفص مقابل تخطئة كبار النقاد، وهدم قواعدهم في الجرح والتعديل، ومحاولة إبراز منهجهم على أنه قائم على التقليد الصرف.

فلا أتفق مع الأستاذ في هذا مطلقًا؛ لأن التقليد عند كبار النقاد غير صحيح، فكم عورض شعبة في نقده لبعض الرجال، وكم اختلفت أقوال عبدالرحمن بن مهدي ويحيى القطان في الرواة، وكم تنازع ابن معين والإمام أحمد في شأن رجل ضعفه أحدهما وقبله الآخر، وكم تعقب أبو زرعة وأبو حاتم محمد بن إسماعيل البخاري .. ولو شئت لسودت لك من هذا عشرات بل مئات الصفحات. فلكل ناقد ذوقه الخاص ونظرته الفاحصة في أحوال الرجال، كما أنهم على طبقات في المعرفة والإتقان، وفي التشدد واللين، وفي الورع وسلاطة اللسان.

لكن العجيب اتفاقهم جميعًا على تضعيف حفص بن سليمان القارئ، مما يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها.

أما ما ورد من ذكر توثيق له فهذا له وجه وتأويل يأتي في محاله، وهو لم يصدر عمن يعتد بقوله عند أهل الفن لو سلمنا بذلك.

قال الحافظ ابن حجر: قال الذهبي ـ وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال ـ: ((لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة)) ([4]).

أما دعوى أن هذا الوهم أضيف له حتى صار كأنه حقيقة مسلمة لا تقبل النقاش، فهذا غير صحيح؛ لأن الجرح والتعديل مبناه على المعرفة لا التقليد، وله ضوابطه وشروطه المعروفة عند أهله.

أما من حيث عدم التسليم بالنقاش، فلا أظن أحدًا يمنع هذا، وهو متاح في كل راو من رواة الحديث، بشرط أن يكون ضمن منهج المحدثين.

----الحواشي ----

([1]) الضعفاء الصغير برقم (73).

([2]) نقل هذه الحكاية ابن أبي حاتم في الجرح (3/ 173)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 270)، وابن عدي في الكامل (2/ 380)، والمزي في تهذيبه (7/ 15)، والذهبي في الميزان (1/ 558)، وابن حجر في التهذيب (2/ 345)

([3]) تاريخ الإسلام (وفيات 170 ـ 180) (ص87).

([4]) تدريب الراوي (1/ 308)، فتح المغيث (3/ 359).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير