تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال محمد والقراءة التي نختارها قياما بالألف لأنها القراءة المعروفة في قراءة أمصار الإسلام، وإن كانت الأخرى غير خطأ ولا فاسد. وإنما اخترنا ما اخترنا من ذلك لأن القراءات إذا اختلفت في الألفاظ واتفقت في المعاني فأعجبها إلينا ما كان أظهر وأشهر في قراءة أمصار الإسلام.

مثال آخر: قوله تعالى: {فَ?بْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـ?ذِهِ} قال ابن جرير: واختلفت القراء في قراءة قوله (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض العراقيين بورقكم هذه بفتح الواو وكسر الراء والقاف. وقرأ عامة قراء الكوفة والبصرة (بورقكم) بسكون الراء وكسر القاف. وقرأه بعض المكيين بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف.

وكل هذه القراءات متفقات المعاني وإن اختلفت الألفاظ منها وهن لغات معروفات من كلام العرب غير أن الأصل في ذلك فتح الواو وكسر الراء والقاف لأنه الورق وما عدا ذلك فإنه داخل عليه طلب التخفيف. وفيه أيضا لغة أخرى وهو الورق كما يقال للكبد كبد. فإذا كان ذلك هو الأصل فالقراءة به إلي أعجب من غير أن تكون الأخريان مدفوعة صحتهما.

مثال آخر:

قوله تعالى: {وَقَالَ ?لَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ?لسَّاعَةُ قُلْ بَلَى? وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ ?لْغَيْبِ لاَ يَعْزُبَ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ?لسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ?لأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} قال ابن جرير: اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة قراء المدينة عالم الغيب على مثال فاعل بالرفع على الاستئناف إذ دخل بين قوله (وربي) وبين قوله (عالم الغيب) كلام حائل بينه وبينه. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة والبصرة (عالم) على مثال فاعل غير أنهم خفضوا عالم ردا منهم له على قوله (وربي) إذ كان من صفته. وقرأ ذلك بقية عامة قراء الكوفة (علام الغيب) على مثال فعال وبالخفض ردا لإعرابه على إعراب قوله (وربي) إذ كان من نعته.

والصواب من القول في ذلك عندنا أن كل هذه القراءات الثلاث قراءات مشهورات في قراء الأمصار متقاربات المعاني فبأيتهن قرأ القارئ فمصيب. غير أن أعجب القراءات في ذلك إلي أن أقرأ بها علام الغيب، على القراءة التي ذكرتها عن عامة قراء أهل الكوفة، فأما اختيار علام على عالم فلأنها أبلغ في المدح. وأما الخفض فيها فلأنها من نعت الرب وهو في موضع الجر.

الحالة الثالثة: ما اختاره ابن جرير من القراءات، وجعلها أولى من الأخرى، دون أن يصرح يرد أو إثبات. وهو ما كانت فيه القراءات مختلفة لفظاً ومعناً. وغالباً ما يعبر عن ذلك بقوله:وأولى القراءتين بالصواب .....

وهذه الحالة تحتاج إلى إيضاح وبيان حتى لا يتوهم أن ابن جرير قد رد بعض القراءات المتواترة، فنقول بأن هذا الترجيح ممكن أن يحمل على أن ابن جرير لم يرد القراءة لخطأ فيها أو شذوذ ولكن يختار ما كان مناسباً للتأويل الذي ذهب إليه ليتم التوافق بين القراءة والتأويل فلا يحصل للقارئ لبس عند التلاوة بهذه القراءة.

مثال ذلك:

قوله تعالى? فَأَزَلَّهُمَا ?لشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ?هْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ?لأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى? حِين? قال أبو جعفر اختلف القراء في قراءة ذلك فقرأته عامتهم فأزلهما بتشديد اللام، بمعنى استزلهما من قولك زل الرجل في دينه إذا هفا فيه وأخطأ، فأتى ما ليس له إتيانه فيه، وأزله غيره إذا سبب له ما يزل من آجله في دينه أو دنياه.

ولذلك أضاف الله تعالى ذكره إلى إبليس خروج آدم وزوجته من الجنة، فقال: فأخرجهما يعني إبليس مما كانا فيه، لأنه كان الذي سبب لهما الخطيئة التي عاقبهما الله عليها بإخراجهما من الجنة. وقرأه آخرون فأزالهما بمعنى إزالة الشيء عن الشيء وذلك تنحيته عنه.

وقد روي عن بن عباس في تأويل قوله (فأزلهما) ما حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن بن جريج قال ا بن عباس في تأويل قوله تعالى (فأزلهما الشيطان) قال: أغواهما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير