وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ فأزلهما لأن الله جل ثناؤه قد أخبر في الحرف الذي يتلوه بأن إبليس أخرجهما مما كانا فيه، وذلك هو معنى قوله فأزالهما فلا وجه إذ كان معنى الإزالة معنى التنحية والإخراج أن يقال فأزالهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه، فيكون كقوله فأزالهما الشيطان عنها فأزالهما مما كانا فيه، ولكن المعنى المفهوم أن يقال فاستزلهما إبليس عن طاعة الله كما قال جل ثناؤه فأزلهما الشيطان، وقرأت به القراء فأخرجهما ..
توجيه القراءات
قرأ حمزة فأزالهما بحذف الألف، وقرأ الباقون فأزلهما بإثبات الألف.
مثال آخر:
قال تعالى: {وَكَذ?لِكَ نُصَرِّفُ ?لآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والكوفة وليقولوا درست، يعني قرأت أنت يا محمد بغير ألف.
وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين، منهم بن عباس، على اختلاف عنه فيه، وغيره، وجماعة من التابعين، وهو قراءة بعض قراء أهل البصرة، وليقولوا دارست بألف بمعنى قارأت وتعلمت من أهل الكتاب. وروى عن قتادة أنه كان يقرؤه درست بمعنى قرئت وتليت، وعن الحسن أنه كان يقرؤه درست بمعنى انمحت.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه وليقولوا درست، بتأويل قرأت وتعلمت، لأن المشركين كذلك كانوا يقولون للنبي ?،وقد أخبر الله عن قيلهم ذلك بقوله (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) فهذا خبر من الله ينبئ عنهم أنهم كانوا يقولون إنما يتعلم محمد ما يأتيكم به من غيره. فإذ كان ذلك كذلك فقراءة وليقولوا درست يا محمد بمعنى تعلمت من أهل الكتاب أشبه بالحق وأولى بالصواب من قراءة من قرأه دارست بمعنى قارأتهم وخاصمتهم وغير ذلك من القراءات.
توجيه القراءات
قرأ ابن كثير وأبو عمرو دارست بألف بعد الدال وسكون السين وفتح التاء،وقرأ ابن عامر ويعقوب درست بغير ألف مع فتح السين وسكون التاء، وقرأ الباقون درست بغير ألف وإسكان السين وفتح التاء.
الحالة الرابعة/يصرح فيها ابن جرير برد القراءة ويعبر عنها بالشاذة، وهذه هي الحالة التي تحتاج إلى دراسة وبحث لخطورتها. وقبل ذلك نذكر الأمثلة:
قوله تعالى ? فَتَلَقَّى? آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ?لتَّوَّابُ ?لرَّحِيمُ?.قال ابن جرير رحمه الله: وقد قرأ بعضهم (فتلقى آدم من ربه كلمات) فجعل الكلمات هي المتلقية آدم، وذلك وإن كان من وجهة العربية جائزا إذ كان كل ما تلقاه الرجل فهو له متلق وما لقيه فقد لقيه فصار للمتكلم أن يوجه الفعل إلى أيهما شاء، ويخرج من الفعل أيهما أحب، فغير جائز عندي في القراءة إلا رفع آدم، على أنه المتلقي الكلمات لإجماع الحجة من القراء وأهل التأويل من علماء السلف والخلف على توجيه التلقي إلى آدم دون الكلمات، وغير جائز الاعتراض عليها فيما كانت عليه مجمعة بقول من يجوز عليه السهو والخطأ.
توجيه القراءات
قرأ ابن كثير بنصب ميم آدم ورفع تاء كلمات، وقرأ الباقون برفع ميم آدم ونصب تاء كلمات بالكسرة.
وقد رد ابن جرير قراءة النصب ولم يجوز إلا قراءة الرفع.
قال تعالى: ?إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً?
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق وعامة القراء (إلا أن تكون تجارة حاضرة) بالرفع، وانفرد بعض قراء الكوفيين فقرأه بالنصب. وذلك وإن كان جائزا في العربية إذ كانت العرب تنصب النكرات، والمنعوتات، مع كان وتضمر معها في كان مجهولا، فتقول: إن كان طعاما طيبا فأتنا به، وترفعها فتقول:إن كان طعام طيب فأتنا به، فتتبع النكرة خبرها بمثل إعرابها.
فإن الذي أختار من القراءة ثم لا أستجيز القراءة بغيره الرفع في التجارة الحاضرة،لإجماع القراء على ذلك،وشذوذ من قرأ ذلك نصبا عنهم، ولا يعترض بالشاذ على الحجة.
توجيه القراءات
قرأ عاصم تجارة حاضرة بنصب التاء فيهما، وقرأ الباقون برفع التاء فيهما.
وقد صرح ابن جرير بعدم جوازه لقراءة النصب مع أنها متواترة. ووصفها بالشاذة. فلا نستطيع في هذه الحالة أن نقول ما قلناه في الحالة السابقة، بل لابد من البيان والإيضاح.
وقبل أن نشرع في ذلك لا بد من معرفة نشأة علم القراءات ليكون لدينا تصور كامل عن المسألة.
¥