خامساً: الأصل في الراء هو الشدّة، والشدّة هو انحباس الصوت، ثمّ جرى فيه الصوت لتكراره وانحرافه. قال سيبويه وغيره هو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكرره وانحرافه إلى اللام فصار كالرخوة ولو لم يكرر لم يجر فيه الصوت. أقول: صرّح سيبويه رحمه الله في البداية على شدّة الراء ثمّ ذكر جريان الصوت الناتج عن التكرير والانحراف ونحن نعلم أنّ الشدة وجريان الصوت لا يجتمعان. إذن فالأصل في الراء هو الشدّة لأنها تبتدئ في مخرج من غير تكرير ولا انحراف ثمّ تنحرف وأثناء الانحراف تتكرّر. لأنّه لولا الانحراف ما تكرّرت ولولا التكرير ما جرى فيها الصوت وهو كاللام إذ لولا انحرافها من أدنى الحافة إلى منتهى الطرف لما جرى فيها الصوت. أمّا المحققون فيجعلون الراء بين الشدّة والرخاوة خلافاً لسيبويه. أقول: ليس في نظري خلاف بين كلام سيبويه وكلام المحققين. ولا أعتقد أنّ سيبويه يقول بشدّة الراء مطلقاً لأنّه صرّح بجريان الصوت في الراء لأجل التكرير والانحراف والشدّة تنافي جريان الصوت، إذن فالراء شديدة قبل أن تنحرف ثمّ جرى فيها الصوت عند انحرافها وتكريرها فهو بمثابة الجمع بين الشدّة والهمس في الكاف والتاء، فالشدة تكون قبل الهمس. وبالتالي نخلص إلى أنّه لا خلاف بين من قال بشدّة الراء مع جريان الصوت القليل الناتج عن الانحراف والتكرير وبين كلام المحققين في جعل الراء بين الشدّة والرخاوة والعلم عند الله تعالى.
سادساً: قد علمنا فيما سبق أنّه لا يوجد من نفى صفة التكرير مطلقاً للراء، وهذا يدلّ على لزومها فيه بصريح كلام سيبوية وابن الجزري في نشره وهو مقتضى كلام الداني والقرطبي حيث لم يشيرا على إخفاء التكرير لا من قريب ولا من بعيد، إلاّ أنّ مكي القيسيى وابن الجزري أشارا إلى إخفاء التكرير حال التشديد فقط وليس على الإطلاق. قال مكي القيسي: " وأظهرُ ما يكون ذلك إذا كانت الراء مشدّدة، ولا بدّ في القراءة من إخفاء التكرير" أقول: فذكر إخفاء التكرير عند وضوحه وجلائه ولا يكون كذلك إلاّ عند التشديد وهو الملموس عملياً. وقال ابن الجزري: " فتكريرها ربوها في اللفظ وإعادتها بعد قطعها ويتحفظون من إظهار تكريرها خصوصاً إذا شددت ويعدون ذلك عيباً في القراءة." ولذلك قال في مقدّمته " واخف تكريرا إذا ما تشدّد " فقيّد رحمه الله تعالى إخفاء التكرير بالتشديد.
سابعاً: نحن نعلم أنّه ليس المراد من الإخفاء إعدام ذات الحرف أو الصفة، فالنون الساكنة أخفيت ولكن لم تحذف بالكلية وهذا يقال في إخفاء الحركات وغير ذلك. إذن ليس هناك أيّ مبرّر من إعدام صفة التكرير للراء اعتماداً على إطلاق بعض أهل الأداء الإخفاء على صفة التكرير.
سابعاً: قد علمنا مما سبق أنّ الأصل في الراء هي الشدّة ثمّ جرى فيها الصوت لتكررها وانحرافها، فالتكرير ناتج عن هذه العوامل، إذن فيستحيل أن تنشأ صفة غير ذاتية عن صفات ذاتية، لأنّ صفة الانحراف لا تنفكّ عن الراء وجريان القليل من الصوت لا ينفكّ عن الراء أيضاً والتكرير ناتج عن هذه العوامل فيستحيل إذن أن يكون التكرير صفة غير ذاتية للراء لتعلّقه بجميع تلك العوامل الملازمة لحرف الراء.
وعلى ما سبق من بيان يتضح جلياً أنّ صفة التكرير صفة ذاتية لحرف الراء لا تنفكّ عنه بأيّ حال فمعظم النصوص أطلقت صفة التكرير للراء من غير قيد والقليل منها قيّد إخفاء التكرير بالتشديد حتّى لا يترتّب من ذلك راءات متتالية كما قال ابن الجزري " فتكريرها ربوها في اللفظ وإعادتها بعد قطعها ويتحفظون من إظهار تكريرها خصوصاً إذا شددت". فالتكرير له حدّ لا يجوز تجاوزه، وحدّ ذلك حدوث راءات وإعادتها بعد قطعها وهذا الذي حمل بعض العلماء على إخفاء التكرير احتراز من هذا الإسراف. والعلم عند الله تعالى.
أكتفي بهذا القدر وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
محمد يحيى شريف الجزائري
ـ[ضيف الله الشمراني]ــــــــ[18 May 2008, 05:12 م]ـ
اطلعت على كلام مختصر رائق للأستاذ الدكتور عبد العلي المسئول ـ حفظه الله ـ في كتابه (معجم مصطلحات القراءات القرآنية وما يتعلق به)، حيث قال في مصطلح (التكرير) ما نصه:
(التكرير والتكرار في اللغة يدل على الإعادة والترديد، واصطلاحا هو ترديد صوت الراء، وذلك بارتعاد طرف اللسان عند النطق بها. قال ابن جني: ((ومنها المكرر وهو الراء وذلك أنك إذا وقفت عليه رأيت طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرير؛ ولذلك احتسب في الإمالة بحرفين)).
وقال ابن سينا: ((والراء من تدحرج كرة على لوح من حيث شأنه أن يهتز اهتزازا غير مضبوط بالحبس)).
وقال في السلسبيل:
وعرف التكرير بارتعاد ............. رأس اللسان تحظ بالمراد
وقد اختلف أهل الأداء في التكرير: هل هو صفة ذاتية للراء أم لا؟ فذهب قوم إلى أنها صفة ذاتية لها، وهو الظاهر من كلام سيبويه حيث قال: ((والراء إذا تكلمت بها خرجت كأنها مضاعفة، والوقف يزيدها إيضاحا)).
وذهب آخرون إلى أن الراء توصف بالتكرير بالقوة لا بالفعل، فيجب على هذا التحفظ منه، ويعدون تكرارها في القراءة عيبا، وبه قال مكي والداني والجعبري وابن الجزري).
¥