قال رحمه الله: " باب اختلافهم في النون الساكنة والتنوين ... إلا أن التنوين يبدل عند الباء ميما. وأجمعوا على إدغامها عند هجاء " يرملون " إذا كنم في كلمتين احترازا من (صِنْوَانٍ) و (قِنْوَانٌ) و (بُنْيَانٌ) فأربعة منها بغنة يجمعها هجاء حروف " يومن " واثنان بلا غنة يجمعها هجاء " ر ل " وتفرد خلف بإدغام الغنة عند الياء والواو " والشاهد من كلامه السابق قوله: " إلا أن التنوين يبدل عند الباء ميما " فسمَّى هذا العمل إبدالا.
وسمَّاه بنفس التسمية" إبدالا " ابن جزي الكلبي الغرناطي (ت 488 هـ) في كتبه المختصر النافع في قراءة نافع بقوله في باب النون الساكنة والتنوين: " لها أربعة أحكام: إظهار وإدغام وإبدال وإخفاء ... والإبدال عند الباء: تبدل النون والتنوين ميما نحو) مِنْ بَعْدِ) ... "
{الإخفاء الشفوي يسمى قديما بالإدغام الناقص}
ففي باب إدغام الحروف المتقاربة عند أبي عمرو وهو يسكن الحرف المتحرك ثم يدغمه فيما بعده بما يسمى بالإدغام الكبير قال الإمام الشاطبي
:وتسكن عنه الميم من قبل بائها ... على إثر تحريك فتخفى تنزلا
.قال الإمام الحافظ أبو شامة في إبراز المعاني وقوله على إثر تحريك أي تكون الميم بعد محرك نحو: (آدَمَ بِالْحَقّ)، (بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)، (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)، (حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) والمصنفون في التعبير عن هذا مختلفون فمنهم من يعبر عنه بالإدغام كما يطلق على ما يفعل بالنون الساكنة والتنوين عند الواو والياء أنه إدغام وإن بقي لكل واحد منهما غنة، كما يبقى الإطباق في الحرف المطبق إذا أدغم، ومنهم من بعبر عنه بالإخفاء لوجود الغنة وهي صفة لازمة للميم فلم يكن إدغاما محضا. ـ كلام أبو شامة فيه تصريح أن القدماء كانوا يسمونه إدغاما ولكن إدغاما ناقصا لبقاء صوت الحرف الأول وهو الغنة ,.فلو سميته بالإخفاء الشفوي فبها ونعمت وإن سميته إدغاما ناقصا فليس ذلك بدعا من القول بل صرح به العلماء المتقدمين. ومن ذلك قول الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه النادر الإدغام الكبير حيث جعل تسميته بالإدغام من باب المجاز: "قال أبو عمرو: والقراء يعبرون عن الميم عند الباء بالإدغام , وكذا ترجم له اليزيدي عن أبي عمرو. وليس بإدغام في الحقيقة لامتناع قلب الميم باء وإدخالها فيها إدخالا شديدا في ذلك , إذ هو حقيقة باب الإدغام , وإنما استثقلت الحركة على الميم فأزيلت تخفيفا فخفيت الميم لذلك. وهذا قول جميع من يقتدى به من علمائنا , وهو قول النحويين. والعبارة عن ذلك بالإدغام إنما هي مجاز واتساع لما بيناه "
{القائلون بإطباق الشفتين على الميم الساكنة المخفاة}
نصوص المصنفات القديمة في التجويد والقراءات تصرح وتنص نصا صريحا بإطباق الشفتين, وسوف أسْرِد أقوالهم جملة ثم أذكر بعض نصوص بعضهم ومن أراد التوسع فعليه بكتابي الذي يحمل هذا الاسم ومن هؤلاء الأئمة الحافظ أبو عمرو البصري أحد القراء السَّبع قال بالإطباق في كتابه الإدغام الكبير طبع حديثا , و الحافظ شيخ النحويين بلا منازع سيبويه قال بالإطباق في كتبه المشهور , و الحافظ طاهر بن غلبون شيخ الداني ومكيّ قال بالإطباق وسوف أنقل نصه عن قريب , و الحافظ أبو عمرو الداني الأندلسي في مصنفاته الكثيرة المشهورة ومنها كتابه الشهير " التيسير في القراءات السبع " وكتابه " التحديد والإتقان في صنعة التجويد " وفي كتابه " الإدغام الكبير " قال بالإطباق.
والحافظ الشاطبي الأندلسي صاحب اللامية المشهورة المسماة " حرز الأماني ووجهة التهاني في القراءات السبع, وهو أحد شيوخ علم الدين السخاوي قال بالإطباق, ومن أراد معرفة راية في هذه المسألة فليرجع إلى أصل منظومته وهو كتاب " التيسير " للداني, وصرح علم الدين السخاوي في كتابه شرح الوصيد أول من شرح الشاطبية, وأخذ العلم عن الشاطبي بأعلى درجات الرواية وهو المشافهة , وسوف أنقل نص السخاوي عن قريب , والحافظ أبو جعفر بن الباذش في كتابه الإقناع قال بالإطباق وسوف أنقل نصه قريبا والحافظ الجعبري قال بالإطباق في شرحه للشاطبية المسمى " كنز المعاني ".
¥