قال أبو عمرو الداني في كتابه التحديد:" وإذا التقى الميم بالفاء أنعم ببيانه للغنة التي فيه (أي أصل الغنة المظهرة) ... روى عن الكسائي وذلك غير صحيح ولا جائز ... فإن تلقت الميم بالباء فعلماؤنا مختلفون في العبارة عنهما: فقال بعضهم هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما كانطباقهما على أحدهما وهذا مذهب بن مجاهد , وإلى هذا ذهب شيخنا علي بن بشر ... قال أبو الحسن ابن المنادى: أخذنا عن أهل الأداء بيان الميم الساكنة عند الواو والفاء ... وقال أحمد بن يعقوب التائب: أجمع القراء على تبين الميم الساكنة وترك إدغامها إذا لقيت باء في جميع القرآن , قال: وكذلك الميم عند الفاء وذهب إلى هذا جماعة من شيوخنا ... وبالأول أقول ... "
فهذه النصوص صريحة من أقوال العلماء شيوخ أبي عمرو الداني أن الخلاف كان دائرا بين إظهار الميم الساكنة أو إخفائها وأشار في آخر كلامه أنه يقول بالأول وهو إخفاء الميم مع إطباق الشفتين.
وقال مكي في كتابه الرعاية: " وإذا سكنت الميم وجب أن يتحفظ بإظهارها ساكنة عند لقائها باء أو فاء أو واوا ... لا بد من بيان الميم الساكنة في هذا كله ساكنة من غير أن يحدث فيها شئ من حركة وإنما ذلك خوف الإخفاء والإدغام ... "
قال الحافظ بن الجزري في تمهيده:
فإذا سكنت الميم وأتى بعدها فاء أو واو فلا بد من إظهارها، كقوله: (هُمْ فِيهِ) (وَيَمُدُّهُمْ فِي) (وَعِدْهُمْ وَمَا) ونحوه. وإذا سكنت وأتى بعدها باء فعن أهل الأداء فيها خلاف، منهم من يظهرها عندها، ومنهم من يخفيها، ومنهم من يدغمها، وإلى إخفائها ذهب جماعة، وهو مذهب ابن مجاهد و ابن بشر وغيرهما، وبه قال: [الداني. وإلى إدغامها ذهب ابن المنادي وغيره. وقال] أحمد ابن يعقوب التائب: أجمع القراء على تبيين الميم الساكنة وترك إدغامها إذا لقيها باء في كل القرآن. وبه قال مكي. وبالإخفاء أقول، قياساً على مذهب أبي عمرو بن العلاء، قال شيخنا ابن الجندي -رحمه الله- واختلف في الميم الساكنة إذا لقيت باء، والصحيح إخفاؤها مطلقاً، أي سواء كانت أصلية السكون كـ (أَمْ بِظَاهِرٍ) أو عارضة كـ (يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ). ومع ذلك فلا بد من ترقيقها وترقيق ما بعدها، إذا كان ألفاً.
وقال أيضا ابن الجزري في كتابه النشر: (الثاني الإخفاء) عند الباء على ما اختاره الحافظ أبو عمرو الداني وغيره من المحققين. وذلك مذهب أبي بكر بن مجاهد وغيره. وهو الذي عليه أهل الأداء بمصر والشام والأندلس وسائر البلاد الغربية وذلك نحو: (يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ)،و (رَبَّهُمْ بِهِمْ)، (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ). فتظهر الغنة فيها إذ ذاك إظهارها بعد القلب في نحو: (مِنْ بَعْدِ)، (أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ)، وقد ذهب جماعة كأبي الحسن أحمد بن المنادي وغيره إلى إظهارها عندها إظهاراً تاماً وهن اختيار مكي القيسي وغيره. وهو الذي عليه أهل الأداء بالعراق وسائر البلاد الشرقية. وحكى أحمد بن يعقوب التائب إجماع القراء عليه (قلت) والوجهان صحيحان مأخوذ بهما إلا أن الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب. وعلى إخفائها في مذهب أبي عمرو حالة الإدغام في نحو: (بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).
فهؤلاء الأئمة المعول عليهم في علوم التجويد لم يصرح أي فريق من القائلين بالإخفاء بترك فرجة عند التلفظ بالميم الساكنة عند ملاقاتها الباء فتبين للباحث أن القول بترك فرجة أمرٌ حادثُ لا يعرف إلا من خلال السنوات المتأخرة من خلال َفهْم بعض العلماء المَُْحدثِين لنصوص التجويد.
.
{الإقلاب يسمى قديما بالإبدال}
في كتاب (تلخيص العبارات بلطف الإشارات في القراءات السبع للحافظ ابن بليمة وصف أن العمل الذي يتم مع مجاورة النون لصوت الباء يسمى بالابدال ولم يصرح بلفظ القلب أو الإقلاب , وهذا الكتاب أحد الكتب التي اعتمد عليها الحافظ بن الجزري في نشره.
ونص بن بليمه فيما يتعلق بما نحن بصدده كالآتي:
¥