ثانيا: صفاته، فلكل حرف صفات يتميز بها، ولهذه الصفات دور كبير في معرفة أحكامه التجويدية، وحاصل صفات النون أنها:
حرف جهري.
متوسط، بين الرخاوة والشدة، لأنه من الحروف المتوسطة التي يجمعها قولك: "لن عمر"، فعل أمر من اللين.
مستفل، من "الاستفال"، وهو تسفل اللسان وانخفاضه إلى قاع الفم عند النطق بالحرف.
منفتح، من "الانفتاح"، وهو عبارة عن انفتاح ما بين اللسان والحنك الأعلى وخروج الريح من بينهما عند النطق بالحرف، حلاف الحروف المطبقة، من "الإطباق"، وهو انطباق طائفة من اللسان على ما يحاذيها من سقف الحنك وانحصار الصوت بينهما عند النطق بحروفه، فلا ريح تخرج من الفم عند النطق بالحرف، وإنما يحجز اللسان، بطائفة منه، الهواء المندفع من الجوف عند النطق بالحرف المطبق، وحروف الإطباق: الصاد والضاد والطاء والظاء،
مصمت، (أي حرف النون)، غير مقلقل، فحروف القلقلة يجمعها قولك: (قطب جد)، والنون ليست منها.
ولكن أبرز صفة يتميز بها حرف النون هي: "الغنة"، وهي صفة للنون والتنوين والميم الساكنة فقط.
والغنة، في تعريف أهل الاصطلاح: صوت لذيذ مركب في جسم النون والتنوين، فهو تبع لها في المخرج والصفات والأحكام، والميم الساكنة، ولا عمل للسان فيه، لأن مخرج الغنة هو الخيشوم.
وحكمها: المد، ومقداره: حركتان.
ويتضح من المقارنة بين غنتي النون والميم أن الأولى أقوى من الثانية، والله أعلم.
وأما التنوين فهو لغة: التصويت، ومنه: نون الطائر إذا صوت (أي أصدر صوتا).
واصطلاحا: نون ساكنة زائدة تلحق آخر الأسماء لفظا ووصلا، لا خطا ووقفا.
فلا يظهر التنوين في الخط، أي الكتابة، فإذا قلت على سبيل المثال: رأيت محمدا، فإنك تكتبها ألفا منونة، وتنطقها نونا ساكنة زائدة بعد الدال، ولا تكتب: محمدن، إلا في الخط العروضي، (الخط الخاص بعلم العروض)، لأن المراد منه معرفة أوزان الأبيات الشعرية عن طريق التفعيلات، ولا يمكن ذلك إلا بكتابة كل حرف ينطق به اللسان، مع تحديد حركته، وإن لم يكتب في الخط الإملائي المعروف، والله أعلم.
وأما أقسامه فهي مما يختص به علم النحو، وأبرزها إجمالا:
تنوين التمكين: وهو الذي يلحق آخر الأسماء، كقولك: رأيت محمدا، وسمي بذلك لأنه يدل على تمكن الاسم في باب الاسمية، فالتنوين من أبرز علامات الأسماء، كما أشار إلى ذلك العمريطي رحمه الله، بقوله:
فالاسم بالتنوين والخفض عرف ******* وحرف خفض وبلام وألف.
تنوين المقابلة: وهو التنوين الذي يلحق آخر جمع المؤنث السالم، كقولك: رأيت مسلمات ملتزمات، بالخفض مع التنوين، لأن جمع المؤنث السالم يخفض بالكسرة، وسمي بذلك لأنه يقابل النون التي تلحق آخر جمع المذكر السالم، والتي تأتي عوضا عن التنوين، كقولك: رأيت مسلمين ملتزمين، والتنوين وعوضه يحذفان عند الإضافة، كقولك: مسلمات مصر كثيرات، و: مسلمو مصر كثيرون.
تنوين التنكير: كقولك: رأيت سيبويه، بكسر سيبويه، لأن كل اسم ينتهي بـ: "ويه" يبنى على الكسر، ولكن هنا يزاد على الكسر التنوين، إذا أردت بـ: "سيبويه"، أي رجل يحمل هذا الاسم، خلاف ما لو قصدت سيبويه، رحمه الله، النحوي المشهور، صاحب "الكتاب"، الفارسي، العجمي نسبا لا الأعجمي لسانا، فإنك تبنيه على الكسر دون تنوين، ومعناه بالفارسية: طعم التفاح، وقد توفي، رحمه الله، في 32 من عمره، فالله دره، عمر قصير وعمل عظيم، وهكذا فليكن علماء أمة التوحيد.
تنوين العوض: وهو إما أن يكون عوضا عن:
كلمة: كقوله تعالى: (وكل كانوا ظالمين)، فتقدير الكلام: وكل أمة منهم كانت ظالمة فاستحقت عقاب الله، عز وجل، فعوض عن المضاف إليه: أمة، بالتنوين، وهذا من المواضع التي تظهر فيها بلاغة القرآن الكريم في الإيجاز، بحيث يصل المعنى لذهن القارئ بأقل عدد ممكن من الكلمات دون نقص أو خلل، والله أعلم.
¥