قوله تعالى: (تعلمون)، إن وقفت على النون، فالحرف قبل الأخير، حرف مد، وهو واو المد، وما بعده أصله متحرك بالفتح، وهو حرف النون، فلما وقف القارئ على النون، سكنت، فالتقت واو المد الساكنة مع النون الساكنة عرضا، وهذا هو السبب الثاني من أسباب المد الفرعي، وهو مجيء السكون، الأصلي أو العارض كما في هذا المثال، بعد حرف المد، فيمد القارئ عند الوقوف على النون: 2 أو 4 أو 6 حركات، والله أعلم.
وكذا قوله تعالى: (نستعين)، إن وقفت على النون، فيكون سبب المد التقاء ياء المد الساكنة مع النون الساكنة عرضا.
وقوله تعالى: (المآب)، إن وقفت على الباء، فيكون سبب المد التقاء ألف المد الساكنة مع الباء الساكنة عرضا.
وأما في قوله تعالى: (خوف)، فالواو هنا واو لين لا مد، لأنها ساكنة مفتوح ما قبلها، فلا تكون واو مد لأنها ليست من جنس حركة ما قبلها، أو لأن حركة ما قبلها ليست من جنسها، فإذا وقف القارئ على الفاء تولد سكون عارض، فالتقى الساكنان: سكون واو اللين، وسكون الفاء العارض، فيمد القارئ: 2 أو 4 أو 6 حركات، ولكن يميز هذا المد بوجود حرف لين فيه، فيقال: مد لين عارض للسكون، والله أعلم.
وكذا في قوله تعالى: (والصيف)، إن وقفت على الفاء، فيكون سبب المد التقاء ياء اللين الساكنة مع الفاء الساكنة عرضا.
وقوله تعالى: (العين)، إن وقفت على النون، فيكون سبب المد التقاء ياء اللين الساكنة مع النون الساكنة عرضا.
ملاحظات:
أولا: المد العارض للسكون أقوى من مد اللين العارض للسكون، وإن تساويا في مقدار المد، لأن حرف المد الأصلي أقوى من حرف اللين.
ثانيا: لا تتحقق صورة هذين المدين إلا عند الوقف، أما إن وصل القارئ، فلا مد فرعي، وإنما يكون المد هنا مدا طبيعيا مقداره حركتان، فهو، من اسمه، مد عارض، شرطه الوقف العارض.
ثالثا: يلزم القارئ توحيد القراءة، فإن التزم المد في هذه الصورة: حركتين، فليمد طوال قراءته بهذا المقدار كلما عرض له هذا المد، وإن التزم: أربعا فأربع، وإن التزم ستا فست، وهناك وجه آخر يجوز اختلاف مقدار المد في القراءة الواحدة، فيمد مرة حركتين، ومرة 4 حركات، ومرة 6 حركات، أو 2 و 4، أو 2 و 6، أو 4 و 6 .......................... ، وتوحيد القراءة أصح، والله أعلم.
رابعا: لهذا المد، كما تقدم، 3 أوجه:
أولا: وجه الطول: ومقداره 6 حركات، وتخريج هذا الوجه: مساواته بالمد اللازم، الذي يكون فيه كلا السكونين أصليا، فكأن القارئ هنا يعتد بالسكون العارض اعتدادا كاملا، فينزله منزلة السكون الأصلي، ويمد تبعا لذلك 6 حركات كالمد اللازم.
ثانيا: وجه التوسط: ومقداره 4 حركات، وتخريج هذا الوجه: أن القارئ يراعي اجتماع الساكنين
ولكنه في نفس الوقت لا يسوي بين سكونين أصليين كسكوني اللازم، وسكونين أحدهما أصلي والآخر عارض كما في هذا النوع.
ثالثا: وجه القصر: ومقداره حركتان، وتخريج هذا الوجه: أن السكون عارض لا أصلي، والوقف يجوز فيه التقاء الساكنين بلا إشكال، فكأن القارئ هنا يهمل التقاء هذين الساكنين إهمالا كاملا لجواز التقاءهما وقفا، كما تقدم، دون إشكال، والله أعلم.
بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص100_101.
وبعده مد البدل، وفيه يقول الناظم رحمه الله:
أو قدم الهمز على المد وذا ******* بدل كـ "ءامنوا" و "إيمانا" خذا
وسبب هذا المد، كما أشار إلى ذلك الناظم رحمه الله، تقدم سبب المد "الهمز"، على حرف المد، عكس الصورة القياسية للمد، كما في:
قوله تعالى: (ءامنوا): حيث تقدم الهمز على ألف المد، وأصل الكلمة: أأمنوا، بهمزة مفتوحة يليها همزة ساكنة، والقاعدة الصرفية: أنه إذا اجتمع مثلان "أي حرفان متماثلان"، كالهمزتين في "أأمنوا"، أولهما متحرك والثاني ساكن، فإن الثاني يقلب إلى حرف مد من جنس حركة الحرف الأول، وجنس حركة الحرف الأول هنا الفتح، فناسب أن تقلب الهمزة الثانية إلى ألف مد، لأن الفتح يناسبه الألف، فأصبح اللفظ: "ءامنوا"، والله أعلم.
وكذا قوله تعالى: (إيمانا): حيث تقدم الهمز على ياء المد، وأصل الكلمة: إأمانا، بهمزة مكسورة يليها همزة ساكنة، فناسب أن تقلب الهمزة الثانية إلى ياء مد ساكنة، فأصبح اللفظ: "إيمانا".
وقوله تعالى: (أوتي): حيث تقدم الهمز على واو المد، وأصل الكلمة: أأتي، بهمزة مضمومة يليها همزة ساكنة، فناسب أن تقلب الهمزة الثانية إلى واو مد ساكنة، فأصبح اللفظ: "أوتي".
ومقدار هذا المد، عند غير ورش رحمه الله، حركتان، فهو كالمد الطبيعي، والله أعلم.
ملاحظة:
قد يجتمع مد البدل مع مد آخر في نفس الموضع، وعليه يقال بأنه: إذا اجتمع سببان للمد قدم أقواهما، فعلى سبيل المثال:
يقدم المد المنفصل على مد البدل في قوله تعالى: (رءا أيديهم)، فـ "ألف المد" في "رءا"، مسبوقة بهمزة، وهذا هو سبب مد البدل، ومتبوعة بهمزة "أيديهم"، التي وقعت في الكلمة التالية، وهذا هو سبب المد المنفصل، فيقدم المنفصل على البدل لأنه أقوى منه، والله أعلم.
وكذا في قوله تعالى: (وجاءوا أباهم)، فـ " واو المد" في "جاءوا"، مسبوقة بهمزة، وهذا هو سبب مد البدل، ومتبوعة بهمزة "أباهم"، التي وقعت في الكلمة التالية، وهذا هو سبب المد المنفصل، فيقدم المنفصل على البدل لأنه أقوى منه، والله أعلم.
ويقدم المد المتصل على مد البدل في قوله تعالى: (ورئاء الناس)، فـ " ألف المد" في "رئاء"، مسبوقة بهمزة، وهذا هو سبب مد البدل، ومتبوعة بهمزة وقعت في نفس الكلمة، وهذا هو سبب المد المتصل، فيقدم المتصل على البدل لأنه أقوى منه، والله أعلم.
ويقدم المد اللازم على مد البدل في قوله تعالى: (ءآمين)، فـ " ألف المد" في "ءآمين"، مسبوقة بهمزة، وهذا هو سبب مد البدل، ومتبوعة بسكون أصلي، هو سكون أولى ميمي الميم المشددة الواقعة بعد حرف المد، وهذا هو سبب المد اللازم، فيقدم اللازم على البدل لأنه أقوى منه.
بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص105_106.
والله أعلى وأعلم
يتبع إن شاء الله
¥