(4) أرجو ألا يستنتج أخي الدكتور عبد الرحمن الصالح من كلامي هذا نزعة عتب أو سورة غضب، وأنا أقدِّر له نصحي وتنبيهي إلى ما في هذا الموضوع من مزالق ومخاطر، كنت أدرك بعضها، فأحاول التأني في ما أكتب حول موضوع الضاد، ونحن بشر نصيب ونخطئ، والكمال لله وحده، والعصمة لأنبيائه، وأنا غير متمسك بما ترجح عندي إلى الآن، إذا ثبت بالدليل ما هو أولى بالاتباع منه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[05 Jun 2006, 06:28 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم
عندي تعليق بسيط فأقول وبالله التوفيق:
أليس الأولى أن نرجع إلى ما كان عليه القدامى رحمهم الله تعالى في مسألة الضاد؟ بدل أن نغيّر صفاتها من الرخاوة إلى الشدة؟ ألست القراءة سنة متبعة؟ لا شكّ أنّ القدامى دوّنوا في كتبهم ما تلقوه عن مشايخهم بالسند المتصل إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام، فإن وقع خلل في المشافهة فلا بدّ من تصحيحه بالرجوع إلى النصوص التي لا تتغيّر مهما طال الأمد والزمان بخلاف المشافهة التي قد يعتريها شيء من التغيير مع مرّ الزمان. فالرجوع إلى النصوص هو الأولى من تغيير النصّ إلى المشافهة التي تغيّرت مع مرّ الزمان، وقد قال النبيّ عليه الصلاة والسلام " من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى قيام الساعة " ومن نطق بالضاد كما هي واردة في النصوص فلا شكّ أنّه من التجديد وإحياء سنة قد كادت تندثر هذا من جهة. والقول بأنّ الضاد القديمة قد اندثرت فيه نظر لعدّة أسباب:
أوّلاً: قد قرأت القرءان على الشيخ عبيد الله الإفغاني والشيخ محمد الطاهر الرحيمي الباكستاني بالضاد القديمة وقد أخبراني أنهما تلقيا ذلك عن مشايخهما بالسند.
ثانياً: هذا النطق هو الذي كان منتشراً عندنا في الجزائر وفي المغرب عموماً وهو النطق الذي كان متداولاً بين الخواصّ والعوام ومازالت مدارسنا القرءانية والتي تسمّى بالزواية تنطق الضاد الشبيهة بالظاء وقد أخبر الشيخ محمد طاهر أيت علجات أنّه تلقى هذه الضاد في جامعة الزيتونة وكذا الأساتذه التي دراسوا في الزيتونة في وقت الاستعمار الفرنسي وبه كان يتكلم علماؤنا وأدباؤنا ومنهم أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على رأسهم العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ بن باديس وغيرهم رحمهم الله تعالى. وما تغيّر هذا النطق إلاّ بعد دخول المصاحف المرتلة المصرية.
ثالثاً: قد استدرك العلماء على الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في كثير من المسائل بسبب رجوعهم إلى أصول الشاطبية وهي الكتب التي ألّفها مشايخ الشاطبي في الإسناد ككتاب التيسير والتذكرة لابن غلبون وجامع بيان للداني وغيرها فتركوا ما تلقوه عن مشايخهم واتبعوا النصوص، وهو الذي فعله العلامة الأزميري على ظاهر كتاب النشر لابن الجزري حيث استدرك عليه بالرجوع إلى أصول كتاب النشرفما وافق ظاهر النشر أخذ به وماخالف تركه وتبعه في ذلك المتولي والضباع وغيرهما. وقد استدرك العلامة المتولي على الأزميري بالرجوع إلى النصوص وهكذا. أقول: إن كان هؤلاء الأفذاذ خالفوا المشافهة واتبعوا النصوص فما الذي يمنع ذلك في مسألة الضاد؟
رابعاً: من اطلع على النشر لابن الجزري يجد أنّه قد نسب كلّ وجه من أوجه القراءات والروايات إلى نصّ من النصوص وهذا السبب الذي حمله أن ينقل أسماء الكتب التي روى منها القراءات مع ذكر الأسانيد. وعلى هذا، فإنّ المشافهة لا بدّ أن تكون مقرونةً بنصّ من النصوص. والمشافهة لوحدها لا تكفي كما سنبيّنه إن شاء الله.
خامساً: حتّى وإن سلمنا أن الضاد القديمة قد اندثرت، فنطقها برخاوة شبيهة بالظاء أولى من نطقها دالاً أو طاءاً وما أشبه ذلك عملاً بأخفّ الضررين. فإن غيّر السابقون نطق الضاد الصحيح إلى النطق الخاطئ بالاجتهاد، ألا يكون تغيير الخطأ إلى الصحيح أو إلى ما يقارب الصحيح من باب أولى.
ومن الأسف أن نغيّر صفة الرخاوة للضاد التي أجمع عليها القدامى قاطبة إلى الشدّة بدل أن نصحح النطق ونرجعه إلى أصله ومنبعه وهذا النهج هو الذي سار عليه المحققون وهو الرجوع إلى النصوص، والآن نريد تغيير النصوص والصفات وهو معاكس لمنهج المحققين قديماً وحديثاً.
¥