تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المشكلة تتركز في قول سيبويه (ت180هـ) وعلماء التجويد من بعده: "ولولا الإطباق الذي في الطاء لصارت دالا "! فالإشكال في كون هذا الوصف لا ينطبق على الطاء المنطوق بها اليوم بل ينطبق عليها قولنا:" ولولا الإطباق في الطاء لصارت تاءً! "

ولذا أرى أن نتعاون سويا بالتدقيق والنظر والتأني فلعلنا نصل إلى نتيجة مرضية إن شاء الله.

أخي الكريم .. خلافي معكم يتلخص في أنكم لا تثبتون التشابه بين الطاء والدال مخالفين بذلك نصوصا صريحة، وأرجو منكم - جزاكم الله خيرا - التدقيق في كلامي:

أولا: قلتم: "الطاء المنطوق بها اليوم ليست مهموسة لعدّة أسباب:

1 – لا يجري معها النفس كما هو الحال في حروف الهمس الأخرى.

2 – قوّة الاعتماد على المخرج عند النطق بها وهو ينافي الهمس.

3 – صوتها انفجاري أي يخرج بعد انحباس الصوت والنفس فتخرج بنبرة قوية وهذا ينافي الهمس.

4 – الهمس معناه الخفاء كما قال تعالى {فلا تسمع إلاّ همساً} أي فلا تسمع إلاّ صوتا خفيا، فهل هو كذلك في الطاء الحالية.

5 – لم يوافق على هذا القول واحد من العلماء الكبار الذين يشار إليهم بالبنان من إهل الإقراء "اهـ

قلتُ: أتفقُ معكم في السبب الأول والثاني والرابع، أما الثالث فاسمح لي بتعليق بسيط:

الشدة والهمس لا يتعارضان أخي الكريم .. والدليل هو أن الكاف والتاء مهموستان شديدتان ولذلك نحن نأتي بالشدة أولا ثم بالهمس ثانيا. قال محمد مكي نصر الجريسي (ت1322هـ): " فكيف تكون الكاف والتاء شديدتين مهموستين؟ قلتُ: الشدة في آن والهمس في زمان آخر، يعني أن شدتهما باعتبار الابتداء، وهمسهما باعتبار الانتهاء .. "اهـ (1)

وأما الخامسة:

قال الدكتور غانم قدوري الحمد: "ويفهم من قول طاش كبرى زاده (ت968هـ): "إن مخرج الطاء والتاء لما اتحدا وانحصر الفرق بينهما في صفة الاستعلاء والإطباق الحاصلتين في الطاء .. "أن الطاء كانت في زمانه صوتا مهموسا، لأنه لم يشر إلى أن الجهر أحد الفروق بين الطاء والتاء."اهـ (2)

ثانيا: لم ينكر أحد قرب التاء من الطاء! وأعيد طرح السؤال عليكم مجددا:من الأقرب إلى الطاء؟ الدال أم التاء؟ وأذكّركم بما نقلته لكم عن الإمام مكي في تعليقي السابق: "فالدال أقرب إلى الطاء من التاء إلى الطاء" يعني:أن التاء قريبة إلى الطاء لكنّ الدال هي الأقرب، فهل تريدُ نصا أشد صراحة من هذا بارك الله فيك!

وكذلك قول الداني: "ولولا الإطباق الذي في الطاء لصارت دالا "، لو قلتُ لك: لولا قصر زيد لكان خالدا، فهل يدلّ كلامي هذا على أن زيدا لا يشبه خالدا؟!!

أما قولكم: "فلم أجد فيما اطلعت عليه ما يدلّ صراحة على التشابه بين الحرفين بل كلام صاحب الرعاية صريح في افتراقهما سمعاً"

يا أخي الشيخ ... أنت بنفسك تقول بتشابه الصاد والسين، فانظر لما قاله الإمام مكي: " ولولا الإطباق والاستعلاء اللذان في الصاد-ليسا في السين-لكانت الصّاد سينا. وكذلك لولا التسفل والانفتاح اللذان في السين -ليسا في الصّاد-لكانت السين صادا. فاعرف من أين اختلف السّمع

في هذه الحروف والمخرج واحد، والصفات متّفقة."اهـ (3)

فهل قوله " فاعرف من أين اختلاف السمع في هذه الحروف" يعني أنها غير متشابهةُ في السمع؟! افتراقهما في السّمع يعني عدم التشارك وإلا لأصبحا صوتا واحدا.

ولذلك قال مكي: "واعلم أنه لولا اختلاف الصّفات في الحروف، لم يفرّق في السمع بين أحرف من مخرج واحد "اهـ (4)

أما ما يتعلق بتخليص الحروف أو (التحذيرات أو التنبيهات) فإن علماء هذا الفن قد ضمنوها كتبهم من باب تنبيه القراء على عدم الوقوع في مثل الأخطاء وهذا لا يعني المشابهة إلا ما نصوا عليه بنصوصهم الصريحة.

فقول ابن الجزري (ت833هـ) مثلا: " والميم من مخمصة ومن مرض" لا يعني أن الميم والخاء، والميم والراء متشابهتان! لكن وجب تخليص هذه الحروف بترقيقها كي لا تتأثر بالحروف المفخمة التي جاورتها.

أخي الشيخ محمد .. أنتم بارك الله فيكم تتركون النصوص الصريحة التي تقول بأن الطاء العربية هي النظير المطبق للدال وتتمسكون بنصوص أخرى لا علاقة لها بما نتحدث عنه! فتارة تستشهدون بنصوص محلها باب الإبدال ولا أدري ما علاقة الإبدال بقضيتنا! وتارة أخرى تستشهدون بنصوص متعلقة بالتحذير من الخلط بين الحروف!

ولقد قلتَ بارك الله فيك في بداية حديثك: "هذه النصوص تبيّن قرب الطاء من التاء وهو الموافق للمنطوق به اليوم ولله الحمد" وكأن علماء التجويد لم يعرفوا قرب التاء من الطاء!، وأنت بقولك "وهو الموافق للمنطوق به اليوم" تخالف نصوص القدماء في كون الدال أقرب إلى الطاء.

ثالثا: لا أريد أن يتعشب الحوار ويطول ... سؤالي لكم يتلخص في التالي:

لماذا قال العلماء الأوائل: " ولولا الإطباق الذي في الطاء لصارت دالا "؟؟


(1) محمد مكي نصر الجريسي: نهاية القول المفيد:ص 50 و 51
(2) الدراسات الصّوتية عند علماء التجويد:ص 245
(3) الرعاية:ص 211
(4) المصدر السابق:ص 218
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير