يقول الداني في التحديد (ص138، وكذا في الموضح ص115): "ولولا الإطباق في الطاء لصارت دالاً، ولولا الجهر الذي في الدال لصارت تاء". وأصل هذا القول لسيبويه، وهو يدل على أن الطاء القديمة ما هي إلا الصوت المفخم (أي المطبق) للدال.
وقال الداني أيضاً (ص139) وهو يتحدث عن التاء: " فإن التقى بالطاء أو الدال أدغم فيها إدغاماً سهلاً من غير عنف، كقوله: (وقالت طائفة) .. ". وبناء على ما تقدم يكون النطق بالتاء بعد إدغامها في الطاء على هذا النحو: وقالض ضائفة، فهل فعلاً كانت تنطق هكذا؟
وقال الداني (ص138) وهو يتحدث عن الطاء: " وقد يجوز إدغامها وإذهاب صوتها، كما جاز ذلك في النون والتنوين، وذلك نحو (فرطتم)، و (أحطت)، و (بسطت)، وما أشبهه".وقال أيضاً (ص140): " وإن سبقتِ الطاءُ التاء لُخِّصَ صوت الطاء وإلا صار تاء، نحو (فرطت) .. ".
ولا يخفى عليكم أن هذه النصوص تحتمل أمرين، الأول: أن الطاء فيها هي الطاء التي ننطقها اليوم، وحينئذ لا إشكال في الأمر سوى وجوب البحث عن مخرج لوصف القدماء لها بالجهر. والثاني: أن الطاء كانت تنطق مجهورة، وهي حينئذ مثل الضاد الطائية أو المصرية اليوم، فيكون أصل النطق في الكلمات المذكورة هكذا: فَرَّضْتُم، أحَضْتُ، بَسَضْتُ، والتحذير من تحول الطاء هنا إلى تاء يقتضي عمل أمرين: سلب الجهر من الطاء بتأثير همس التاء لتتحول من مجهورة إلى مهموسة، أي من الضاد إلى الطاء، ثم سلب الإطباق من الطاء بتأثير انفتاح التاء لتتحول إلى تاء، وهذا ينطبق على كلام عبد الوهاب القرطبي الآتي الذي أشرتم إليه.
قال عبد الوهاب القرطبي في الموضح (ص189):" الطاء إذا سكنت قُدَّامَ الفاء، مثل قوله تعالى: (من نُطْفَة) و (لِيُطْفِئُوا) فينبغي أن يُنْعَمَ بيان إطباق الطاء لئلا ترجع تاء، لما بين التاء والفاء من الاشتراك في الهمس، مع مشاركة التاء الطاء في المخرج، وكذلك بعد السين، مثل قوله (فوسطن به جمعا)، لأن همس السين يجذب الطاء إلى التاء، على ما تقدم ".
وكذلك ينطبق على قول مكي في الرعاية (ص206 - 207): " وإذا وقعت التاء قبل طاء، وجب التحفظ ببيان التاء، لئلا يقرب لفظها من الطاء ... فإذا لم يتحفظ القارئ بإظهار لفظ التاء على حقها من اللفظ قَرُبَ لفظها من لفظ الطاء ودخل في التصحيف .. وكذلك تُبَيَّنُ التاء المتحركة قبل الطاء، وإن حال بينهما حائل، نحو (اختلط) .. ".
أما الطاء التي كالتاء فهي كما وصف القدماء تظهر في نطق الأعاجم، وينطق بها الأكراد عندنا كذلك، فيقوقون: صرات في صراط، والأمر معقول ومفهوم لولا ما نعرفه من وصف القدماء للطاء بالجهر، ومن ثم فإن الطاء على وصف القدماء تتحول إلى تاء بعملين كما ذكرت.
وليس من السهولة إعطاء رأي قاطع في هذا الموضوع الشائك، كان د. كمال بشر قد أورد ثلاثة احتمالات لوصف القدماء للطاء بالجهر، الأول: أنها كانت مجهورة ثم تطورت، والثاني أنهم وصفوا طاء لهجية مجهورة، والثالث: أنهم أخطؤوا في وصف الطاء بالجهر، وأنها مهموسة في الأصل، ومهما كان الرأي الاحتمال الصحيح من هذه الاحتمالات الثلاثة فإن ذلك يجب ألا ينعكس على تلاوة القرآن، وإنما هو نوع من البحث التاريخي، فمن قال: إن الطاء كانت مجهورة وتحولت إلى الهمس فإنه لا يدعو إلى تغيير نطقها اليوم، لكن على المشتغلين بأي علم من العلوم الإجابة على الأسئلة التي تثار حول مسائله، وفي بحث مثل هذه المسائل ما يحفز أهل الاختصاص لمواجهة ما قد يظهر من تطور جديد في أصوات العربية.
وأعتذر عن التأخر في إجابة طلبك، وقد يكون ما كتبته غير واف، لكن هذا ما تيسر لي الآن، والله أعلم، وهو الموفق للصواب. "
أخوكم: غانم قدوري
18/ 2/2009
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[18 Feb 2009, 08:14 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزى الله شيخنا العلامّة على ما تفضّل به من جواب منصف يأخذ بعين الاعتبار جميع ما ورد في الباب ممّا يجعل المسألة بين أخذ وردّ ويجعلها قابلة للنقاش والاحتمال.
وجزى الله تعالى أخي الشيخ عمار على تواصله في النقاش وإنصافه وأدبه في الحوار.
من خلال ما تفضّل به شيخنا العلامة حفظه الله تعالى نستفيد منه ما يلي:
- عدم التسرّع في القطع بالشيء.
- الأخذ بعين الاعتبار جميع ما ورد في الباب وعدم إهمال أي نصّ من غير سبب.
- الاعتماد على ما أجمع عليه القراء لا سيما إن كانت بعض النصوص تؤيّدهم، بمعنى إن كان المقروء به اليوم يوافق مضمون بعض النصوص القديمة المعتبرة دون البعض فالأولى اتّباع ما هو عليه أداء القراء اليوم.
- الاستمرار في البحث لأجل فكّ التعارض بين ظاهر النصوص وعدم الاكتفاء بنقل الخلاف والتعصّب لأحد القولين.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[19 Feb 2009, 12:18 ص]ـ
وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته وبعد،
فجزاكَ الله خيرا أخي الشيخ محمد يحيى، وبارك الله فيك، ووفقنا جميعا لخدمة كتابه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمار محمد الخطيب