على الأثبت في النقل بحيث كانوا في الضبط والمحافظة على ألفاظ القرآن في الدرجة القصوى حتى كانوا لا يسامحون بعضهم في حرف واحد اتفقوا على منع القياس المطلق الذي ليس له أصل يرجع إليه ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه،أما إذا كان القياس على إجماع انعقد أو أصل يعتمد فإنه يجوز عند عدم النص وغموض وجه الأداء بل لا يسمى ما كان كذلك قياساً على الوجه الاصطلاحي لأنه في الحقيقة نسبة جزئي إلى كلي؛كما اختير في تخفيف بعض الهمزات لأهل الأداء وإثبات البسملة وعدمها وغير ذلك مما صرح به الأئمة 0 (ق:242/أ)
ثم قال:وإذا ثبت محافظتهم على النقل هكذا وتجويزهم نوعاً من القياس فلا يحتاج المجيب عن هذ السؤال إلا لنقلها عن مثل هؤلاء الأئمة المعول عليهم في هذا الفن،وأيضاً فغاية ما في ذلك القياس الجائز وهو واجب بحيث بلغت الألوف فإنما ذلك عند المتأخرين دون المتقنين (كذا في المخطوط ولعلها المتقدمين) لأنهم كانوا يَقرءون القراءات طريقاً طريقاً فلا يقع لهم إلا القليل من الأوجه،أما المتأخرون فيقرءونها رواية بل قراءة بل أكثر حتى صاروا يقرؤن الختمة الواحدة للسبعة أو العشرة فتشعبت الطرق وكثرت الأوجه وحينئذ يجب على القارئ الاحتراز عن التراكيب في الطرق والأوجه ويميز بعضها من بعض وإلا وقع في ما لا يجوز وقراءة ما لم ينزل وقد وقع في هذا كثير من المتأخرين لاسيما من وضع كتاباً مفردا في هذه الأوجه 0انتهى كلامه رحمه الله تعالى (ق243
ولما رأيت كيراً من أهل القراءات المتأخرين والمعاصرين ألزم نفسه والأمة معه بوجوب الأخذ بهذه التحريرات – والوجوب هنا الوجوب المصطلح عليه بتأثيم تاركه – حاولت قدر الجهد والفهم والسعة أن أبين أن هذا الإلزام لا يصح على الأمة لسببين رئيسيين:
الأول: أنه لم يأت عن من أنزلت عليه هذه القراءات صلى الله عليه وسلم 0
الثاني:الخلل العلمي في الضابط الذي يتحاكمون إليه،فتراهم يمنعون وجهاً لعلة ما،ثم في موضع آخر ومسألة أخري يجوزنه مع وجود نفس العلة 0
وهذا ما سأبينه وأعرضه على علماء هذا الملتقي لتقويمه وتصحيحه على فترات ومسائل،ومتى انتهينا من مسألة أعرض الأخرى حتى لا يتشعب الموضوع وتقل الفائدة 0
وقبل ختام هذه المقدمة أ بدأ بذكر مسألتين أرى أنّهما مهمّتان حيث لم أر من تطرق إليهما من المحررين، وهما في حاجة ماسّة لمزيد من الدراسة حيث إن فيهما مخالفة لمنهج المتأخرين القائلين بوجوب العمل بالتحريرات.
وهاتان المسألتان هما:
الأولى: كلمتي) ضَعْفٍ (و) ضَعْفًا (في "الرّوم" ([9]):
أجمعت كتب القراءات على أن عاصماً وحمزة قرآ الكلمتين بفتح الضاد، وأن الباقين قرؤوهما بالضمّ.
ثمّ صرّحت بأن حفصاً ورد عنه الاتفاق مع الباقين، أي إن له الضمّ أيضاً، فتحصَّل له وجهان: الفتح والضمّ.
وهنا مسألة من مسائل التحريرات، أهملها المحرّرون، وعرَّوها من التحرير، ومرّوا عليها مرور الكرام، مع أن فيها لمن أراد التحرير وطلب الحق كلاماً وتحريراً، وهي مسألة يتوجّه النقد فيها إلى القائلين والمائلين إلى وجوب (التحريرات) ولا مجانبة للحق والصواب إنْ قيل إنها تتجه أيضاً على الداني وابن الجزري رحمهما الله تعالى، كما سيذكر بعد قليل.
هذه المسألة هي: تجويز وجه (الضمّ) لحفص في الكلمتين المذكورتين وجعله مقروءاً به له.
والإشكال والنقد هو: أن جُلَّ كتب القراءات -التي تيسّر الاطلاع عليها- تنصّ على أن (الضمّ) لحفص إنما هو اختيار منه وليس رواية عن شيخه عاصم.
وهذه نصوص بعض الأئمّة المحقّقين:
1 - قال ابن مجاهد: قرأ حفص عن نفسه لا عن عاصم بضم الضاد. اهـ ([10])
2 - قال ابن غلبون؛ بعد أن ذكر أصحاب الفتح شعبة، وحمزة، والمفضل فقط: وذكر حفصٌ أنه لم يخالف عاصماً في شيء من قراءته إلا هاهنا. إلخ. اهـ ([11]) 4 - قال مكّي: ذكر عن حفص أنه رواه -الفتح- عن عاصم، واختارَ الضمّ لرواية قويت عنده. اهـ ([12])
3 - قال الداني: أبو بكر وحمزة) من ضعف (في الثلاثة بفتح الضاد، وكذلك روى حفص عن عاصم فيهنّ، غير أنه ترك ذلك واختار (الضمّ) اتّباعاً منه لرواية عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه ذلك بالضمّ، ورَدَّ عليه الفتح وأباه، قال-الداني-: وما رواه حفص عن عاصم عن أئمته أصحّ. اهـ ([13])
¥