5 - قال المعدّل بعد أن ذكر خلاف القراء في الكلمتين: وإنما اختار حفص ذلك-الضم- برواية رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بالضمّ. اهـ ([14])
فهذه النصوص وغيرها كثير عن الأئمّة المعتمدين، والكتب المعتمدة في القراءات، كلّها صريحة في عدم رواية حفصٍ (الضَمَّ) عن عاصم، وإنما هو مخالف له، باختياره بعد أن روى عنه الفتح.
وقد ورد هذا عن حفص نفسه حيث قال: ما خالفت عاصماً في شيء مما قرأت به عليه إلا ضَمَّ هذه الثلاثة الأحرف. اهـ ([15])
ومحلّ الإشكال المتّجه إلى المحرّرين هو أن يُسْألوا: كيف أجزتم القراءة بهذا الوجه؟ فهو وإن كان صحيحاً عن حفصٍ؛ فإنه لم يقرأ به على شيخه، مما يعني أنه وجه منقطع الإسناد.
قال الجعبري رحمه الله عند قول الشاطبي رحمه الله:
» وفي الروم صف عن خُلف فصل «([16])
قال: إطلاقه الوجهين هنا لحفص قيل فيه نظر من وجهين:
كون حفص نقل الضم عن غير عاصم.
وكونه من طريق عمرو بن الصبّاح، وطريقه عن عبيد بن الصبّاح.
وهو في اصطلاح المحدِّثين (تدليس) ... وكان ينبغي أن يقطع لعاصم بفتح الكلّ كالأصل. اهـ ([17])
وبهذا تكونون قد وقعتم فيما منعتم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تعليل حفص في اختياره (الضمّ) أنه من أجل الحديث، قولٌ -عند علماء القراءات- لا يقبل ولا يعتمد عليه لو كان الحديث صحيحاً ومتفقاً عليه، وبالأحرى إذا كان ضعيفاً كما هنا. ([18])
أمّا اتجاه الإشكال على منهج المؤلّف زيادة على ما سبق، فهو أن يقال:
لماذا لم يُعامَل هذا الوجه معاملة زيادات الشاطبي؛ مع أن الفارق بينهما جوهري، وهو أن الزيادات غير منقطعة، وأقصى ما يقال فيها هو خروجها عن طرقه. وهذه مسألة فيها كلام كثير أرجو من الله تعالى التوفيق في بيانها لاحقاً 0
فعدمُ وقوف ابن الجزري – وهو عمدة المتأخرين في التحريرات- عند هذا الوجه لحفص كوقوفه عند الزيادات؛ والتنبيه على صحتها من عدمه، خروجٌ عن منهجه، بل عن طرقه، ومخالفٌ لما صرّح به هو نفسه حيث قال: إلا أن من عادتنا الجمع بين ما ثبت وصح من طرقنا لا نتخطّاه ولا نخطله بسواه. اهـ ([19])
هذا؛ وقد وقفت على محاولة للشيخ المتولّي رحمة الله عليه نقلها عن الجعبري، حاول فيها تسويغ اختيار حفص للضمّ، مع روايته الفتح عن شيخه، فقال: قال الجعبري في شرح "الشاطبية": قول الأهوازي: أبو عمارة عن حفص عن عاصم، والخزاز ([20]) عن هبيرة عن حفص عنه بضمّ الضاد كلّ ما في ‹الروم›، صريح في أن حفصاً نقل الضم عن عاصم. اهـ ([21])
وزاد الجعبري بعد هذا الكلام –والشيخ المتولي لم ينقله-: وهذا جواب صحيح إن قصده الناظم، ([22]) فإن قلت: كيف خالف مَن توقّفت صحة قراءته عليه؟
قلتُ: ما خالفه، بل نقل عنه ما قرأه عليه، ونقل عن غيره ما قرأه عليه،
لا أنه قرأ برأيه. اهـ ([23])
وعليه، فإن ما أبهمه الأئمّة: الدانيُّ ومكيُّ والمؤلّف، وغيرهم في عباراتهم حتى فُهم من ظاهرها عدم قراءة حفص بالضمّ على عاصم، اتضح بهذا الكلام -أعني كلام الجعبري- أن ذلك الظاهر غير مرادهم رحمة الله عليهم أجمعين؛ لأنه لا يمكن بحال -عندي- أن أولئك الأئمة يجيزون قراءة منقطعة الإسناد.
وخلاصة القول في هذه المسألة: أن وجه الضمّ لحفص خارج عن طرق "التيسير" و"الشاطبية" و"النشر"، ومع ذلك -فكاتبه- يقرأ به تبعاً لمشايخه، وتحسيناً للظنّ بهم فيما قرؤا وأقرؤا به، من أنهم لا يقرؤن إلا بأثر، ولا يشترط في مثلي أن يعلم جميع الأسانيد، وما كنت لأصبح بدعاً في منع هذا الوجه الذي أجازه علماء القراءات مع خروجه عن جميع طرقهم الصغرى والكبرى، وما كتبت هذا إلا أمانة للعلم، وتقديماً للرواية على الدراية، وتبييناً لعدم انضباط منهج المتأخرين من المحرّرين في بعض المسائل. والله أعلم.
الثانية: مسألة: السكت بين السورتين ل (خلف) في اختياره:
صرّح ابن الجزري في موضعين؛ بعبارة مطلقة، تدلّ بمنطوقها ومفهومها على أن أبا العزّ القلانسيّ في "إرشاده" روى عن خلف -في اختياره- بكماله، أي من الروايتين: رواية إسحاق ورواية إدريس، السكتَ بين السورتين. وقال: رَوى عنه -خلف- أبو العزّ في "إرشاده" السكت بين السورتين. اهـ ([24])
وقال في موضع آخر: واختلف عن خلف في اختياره بين الوصل والسكت، ... ونَصَّ له صاحب "الإرشاد" على السكت. اهـ ([25])
¥