لكنْ، قد يقال: إن هذا في جانب الحديث لا القراءة؟ ويُدفع هذا الاعتراض بأنّ هذا لمجرد إثبات الإمكانية وعدم بُعْدِ قراءة الهذليّ على أحد من أصحاب زيد؛ وعليه فهل من (أبعد البعيد) أن يكون هؤلاء الثلاثة معاصرين ومشابهين لأبي نعيم، ورُزِق هو الشهرة وحُرِموها هم؟
2 - أنّ الهذلي أدرك (34) أو (27) سنة على أقلّ تقدير-،وذلك للخلاف في تاريخ مولد الهذلي هل هو (395) أو (402) - من عمر آخر أصحاب زيد وفاة، وقد ثبت أنه -الهذلي- قرأ على أبي العلاء الواسطي سنة (431 هـ) وهي السنة التي توفي فيها، أي بعد وفاة ابن الصقر بسنتين غير كاملتين، فليس من البعيد ولا من المستحيل أن يكون هؤلاء الثلاثة من طبقته؛ بل وأكبر منه سنّاً، ليتجاوز عمرهم في تلك السنة (96) سنة أو غيرها، لكنهم لم يشتهروا، خاصّة وأن سنّ القاضي تحتمل القراءة على زيد نفسه، حيث إنه ولد سنة (349 هـ) أي قبل وفاة زيد بـ (9) سنوات وهي سنّ في العادة يصحّ معها أخذ القراءة؛ لكن لم أجد من صرّح بذلك.
3 - نُصَّ في ترجمة الهذلي على أنه (درس الأصول)، وأنّه (يفهم الكلام) أي (علم الكلام)، والمقصود من هذا حسب ما فهمتُه من هذا الوصف أن للهذلي مشاركة في (الأصول) و (علم الكلام)؛ وهما علمان متعلِّقان بشكل كبير على معرفة الألفاظ ودلائلها، إذ أدنى درجات الأصوليّ والمتكلم أن يكون عارفاً بذلك، ويقدح عند أهل هذا العلم من كانت دلائل ألفاظه لا تتفق وألفاظَه.
إذ عُرِف هذا، فإن هذا الكلام يقرّر صحّة ما في "النشر" ويؤكد قراءة الهذليّ على هؤلاء الثلاثة، وصحّة قراءتهم على زيد خلافاً لابن الجزري في "غايته" وبيان هذا التقرير:
أنَّ الهذليّ صرّح بذلك فقال: وقرأت على ابن خشيش الكوفي، وأحمد بن الصقر، ومحمد بن يعقوب، قالوا كلّهم: قرأنا على زيد ... اهـ
فقوله: (قرأت) والتعبيرُ بهذا اللفظ دون غيره من ألفاظ تحمّل القراءة؛ ك: (أخبرني) و (حدّثني) و (كتب إليّ) أو غيرها من الصيغ التي استخدمها الهذلي في "كامله" لبيان كيفيّة أخذه القراءة أو الطريق من مشايخه لدليلٌ على أن ذلك حصل فعلاً، وليس وَهْماً ولا عبثاً، فـ (قرأتُ) لا يفهم منها غير معناها الأساس وهو المتبادر، ولم يجد البحث مَن (جَرَح) الهذلي بالتدليس. والثقة مصدق فيما يقول 0
أمّا القول بأن هؤلاء الثلاثة مجاهيل لا يعرفون، فلا يلزم الهذلي لأنه قد رآهم، وعرفهم، وقرأ عليهم وأخبروه أنهم قرؤوا على زيد؛ فمن حفظ حجّة على من لم يحفظ، والمثبت للشيء مقدّم على النافي.
نعم، قد يقدح عدم معرفتهم عند العلماء في طرقهم، وهذا من باب الورع والاحتياط، وليس الهذلي بمنفرد في ذلك، فهناك طرق اكتفى ابن الجزري في توثيقها ومعرفتها بشخص واحد، وهناك من عرف حاله ووصف بعدم الحفظ والإتقان، ومع ذلك قبلت طرقه.
وخلاصة القول في هذا: إنّ البحث يرى أن هذه الطرق الثلاث طرق معتمدة صحيحة بدليل اختيار ابن الجزري لها في "النشر"، فلا بدّ وأن يكون قد وقف على ما يرجّح ما أثبته في "النشر" وإلاّ لم يعتمدها، لكن لم يقف البحث على هذا المرجِّح، فلربّما تأتي به الأيام، والله أعلم.
وإلى لقاء آخر في مسألة أخرى إن شاء الله تعالى0
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[01 Sep 2006, 02:37 م]ـ
شيخنا الكريم أحسن الله تعالى إليك وبارك في علمك وعمرك
ذكرتم أن ابن الجزري ذكر استبعاد صحة اتصال الطرق الثلاث بغير صيغة الجزم ومثلتم بقوليه (وهو بعيد) و (وذلك بعيد جداً) ..
لكن: قوله (ولا يصح ذلك) أليس فيه جزم بعد صحة اتصال الطريق؟؟
ـ[الجكني]ــــــــ[01 Sep 2006, 09:18 م]ـ
أخي الشيخ محمود حفظه الله تعالى:لعلك تقصد:أليس فيه جزم (بعدم) فالميم سقطت سهواً،فإن كان ذلك كذلك فاعتراضك وجيه وفي محله، لكنني غلَّبت ذلك لأنني رأيت الإمام رحمه الله ذكر (ولا يصح) مرة واحدة في حق "محمد بن يعقوب " ولما جمع الثلاثة لم يذكر عبارة (الصحة) وإنما عبّر بالبعد 0والله أعلم 0
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[01 Sep 2006, 11:49 م]ـ
جزيتم خيراً شيخنا على جوابكم , وعذرا لسقوط الميم فقد كان (سبق لوحة مفاتيح) وشكراً.
ـ[د. أنمار]ــــــــ[02 Sep 2006, 01:36 م]ـ
إن كان الترجيح بالتأريخ فالنشر متأخر لأنه ابتدأه في ربيع الأول سنة 799 وانتهى من تأليفه في شهر ذي الحجة سنة 799 هجرية كما نص عليه في آخر الكتاب
بينما نجده في كتاب غاية النهاية والذي هو المختصر ابتدأ فيه سنة 783 هجرية وانتهى 795 هجرية
أما أصله فهو من أوائل ما ألف الحافظ واسمه نهاية الدرايات ابتدأ فيه سنة 772 وانتهى سنة 774 هجرية
أي حين كان عمره 23 عاما
فحتى الاختصار كان قبل النشر بأكثر من أربع سنوات
ـ[الجكني]ــــــــ[02 Sep 2006, 05:17 م]ـ
كلام جميل يادكتور،لكن هناك إحالات في الغاية على النشر 0
ـ[د. أنمار]ــــــــ[03 Sep 2006, 02:16 ص]ـ
نعم سيدي الفاضل، ويظهر أنه نقح بعض المواطن لا كلها أو لعلها من الإضافات المتأخرة التي بقلم ابنت الحافظ رحمه الله تعالى كحال الترجمة التي كتبتها عن أبيها.
¥