تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الجدير بالذكر أن قولهم '' فلان ضعيف '' معناه كثير الخطأ، وعليه فما تفرد به عن شيخه لا يحتج به إذا لم تحف بحديثه قرينة تدل على صوابه، وذلك لغلبة احتمال الخطأ عليه، وليس معنى هذا أن كل ما يرويه هو يعد ضعيفا، وأنه قد أخطأ فيه، فمن أحاديثه ما يصح ومنها ما يضعف، ولا يمكن تمييز ذلك إلا بالبحث والموازنة في ضوء القرائن، وأنت ترى في الصحيحين أحاديث صحيحة من رواية الضعفاء، وقد أوردها كل من الشيخين من أجل الاحتجاج بها، مثل حديث فليح بن سليمان، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي وغيرهما عند البخاري وحديث سويد بن سعيد، وحماد بن سلمة وغيرهما عند مسلم.

وينبغي أن نفهم من هذا الصنيع أن مقصد البخاري ومسلم ذكر الأحاديث الصحيحة من طريق الثقات، لكن قد يخرج كل منهما عن هذا المقصد فيرويان الحديث الصحيح عن طريق اسناد فيه ضعيف، وذلك لأغراض علمية يحددها منهجهما المتبع في سياق تلك الأنواع من الأحاديث في الصحيحين، وليس معنى ذلك أن جميع ما يرويه ذلك الضعيف من الأحاديث محتج به، وأنه خال من الخطأ، كما أنه لا ينبغي أن نفهم من ذلك سوى أن الراوي قد تجاوز قنطرة العدالة الدينية.


(1) -مقدمة صحيح مسلم 1/ 56 - 57 من شرح النووي -ط: دار إحياء التراث، بيروت، سنة 1392 (الطبقة الثانية -.
(2) - 6/ 2076.
(3) - التمييز ص:162.

تصحيح حديث لا يعني بالضرورة توثيق راويه
ومن هنا أود أن ألفت الانتباه إلى شبهة وقع فيها بعض الباحثين اليوم، يقول بعضهم: ''فما تصحيح أحدهم لأحد الرواة إلا كالتصريح بعدالة وضبط الراوي المصَحَّح له عند المصحِّح'' (1)، وقد سبقهم في ذلك بعض المتأخرين. ولو استدل بالتصحيح على عدالة الراوي وضبطه ذلك الحديث دون تعرض لمدى إتقانه لبقية الأحاديث عموما لكان أمرا مسلما. وأما أن يستدل به على ثقته كتعديل عام فتنقصه الدقة، ولعل ذلك مبني على تعريف الصحيح الذي تضمن ثقة الراوي كشرط أساسي، وبالتالي فما من صحيح عند هؤلاء الباحثين إلا وقد كان راويه ثقة يعني ضابطا متقنا، وفي هذا الإطلاق خطأ يتضح بجلاء حين يعرض ذلك على نصوص النقاد وعملهم التطبيقي.
ومن المعلوم بداهة أن العدالة غير الإتقان والضبط، ولا تلازم بينهما، ولمعرفة كل منهما وسائل خاصة لا ينبغي الخلط بينها (2). ولذا فالذي يتعين علينا فهمه من خلال تصحيح إمام حديثا أن راوي ذلك الحديث المصحح عدل عنده، وأنه قد ضبط ذلك الحديث، بغض النظر عن مدى حفظه وإتقانه لبقية مروياته، وقد يكون الراوي ضعيفا عموما لكن أتقن ذلك الحديث، وقد يكون ثقة متقنا، وربما يصرح الناقد بأنه ثقة، وهو لا يقصد بذلك توثيقا عاما، وإنما توثيقه يكون بالنسبة إلى ذلك الحديث الذي صححه، ويعني بذلك أن ذلك الراوي قد ضبط هذا الحديث فحسب.
ويفهم هذا المعنى الدقيق عند وجود اختلاف في ألفاظ ذلك الناقد في الجرح والتعديل، أو وجود اختلاف بينه وبين غيره من النقاد. والواقع أن أحوال الرواة - جرحا وتعديلا - لا تعرف إلا من خلال سبر مروياتهم، كما سبق في نص الإمام مسلم، وكما تقرر في كتب المصطلح، وأما توثيق الراوي بمجرد تصحيح حديث واحد له فغير سليم (3)، اللهم إلا في حالة تفرد الراوي بحديث، فإن تصحيح الناقد له في هذا الحال يعني أن الرجل ثقة، ومن المعلوم أن التفرد لا يقبل إلا من ثقة.
ومن تتبع كتب النقاد، وأمعن النظر فيها علم أن الثقة لم يكن شرطا يذكر في تعريف مصطلح الصحيح لاحتراز ما رواه الضعيف، بل يعد شرطا أغلبيا؛ إذ ما رواه الثقات يكون هو الأغلب في الأحاديث الصحيحة، ولذلك لا ينبغي أن يعتبر ما رواه الضعيف ضعيفا إلا إذا كان غريبا قد تفرد به، وقد يتفق هو مع الثقات الآخرين، وبالتالي يكون حديثه صحيحا لخلوه من الشذوذ والعلة، ولذلك فلا يكون التصحيح فرع التوثيق، كما لا يعني تضعيف حديث أن راويه ضعيف عموما، وإنما كان ضعيفا فقط في ذلك الحديث، يعني بذلك أنه قد أخطأ فيه. فرب ثقة يعل حديثه ويضعف (4)، ورب ضعيف يصحح حديثه ويقبل!!!.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير