تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعني من رفعه أصاب ومن وقفه أصاب هذا وجه وذاك وجه, وهذا ما اختلف مخرجه عن مخرج الآخر، فالعلماء يعتبرون ذلك مقويا للحديث فيعتبرون الموقوف مؤيداً للرفع حينئذٍ قد يكون الحديث صحيحاً موصولاً ومرسلاً من وصله أصاب، ومن أرسله أيضاً أصاب وهذا مختلف مخرجه عن مخرج هذا، فالعلماء يعتبرون أن الموصول مؤيداً للمرسل كما أن المرسل مؤيداً للموصول كما سبق وأن شرحنا ذلك في باب المرسل لما ذكرنا أن الإمام الشافعي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى - يقوي الحديث المرسل بالمسند الصحيح المتصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنه أيضاً يقوي المرسل بما جاء عن الصحابة والتابعين من أقوالهم.

إذن ينبغي لطالب العلم أن يكون ملماً بكل ما جاء في الباب من مرفوعات وموقوفات ومتصلات وغير متصلات فكل ذلك ينفعه لتمييز الصواب من الخطأ، أو لمعرفة ما يتقوى به الحديث وما لا يتقوى به الحديث، وقد أشار الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تبارك وتعالى- إلى هذا المعنى، فروى الخطيب البغدادي -رحمه الله تبارك وتعالى- من طريق الميموني أنه قال: «تعجب أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل، تعجب أبو عبد الله ممن يكتب الإسناد المتصل ويدع كتابة المنقطعات» الإمام أحمد تعجب من هذا الرجل الذي يهتم بكتابة الروايات المتصلة ويدع كتابة الروايات المنقطعة، ثم قال الإمام أحمد «ربما كان المنقطع أقوى إسناداً» كيف يكون هو منقطع وأقوى من المسند؟ كيف يكون هذا؟ المعنى أن الحديث قد يكون اختلف في وصله وإرساله ومن وصله سيء الحفظ أو في حفظه بعض الخلل بينما من أرسله هو حافظ متقن أثبت، فالذي جاء بالمرسل راو ثقة والذي جاء بالمتصل دونه في الوثاقة فحينئذ يكون المنقطع مع ما فيه من انقطاع أثبت وأقوى وأرجح من الرواية الموصولة لأن الذي جاء بها ليس في المنزلة وفي الحفظ والإتقان كمنزلة ذاك الذي جاء بالرواية المرسلة، ولهذا استشكل ذلك الميموني فقال: بينه لي كيف يكون ذلك؟ قال الإمام أحمد «تكتب الإسناد متصلاً وهو ضعيف» يعني من جاء بهذا الإسناد رجل ضعيف ويكون المنقطع أقوى إسناداً يعني لكون الذي جاء به من الثقات أو من الأثبات فحينئذ يكون المنقطع علة للمتصل, فإن أنت لم تعرف من الروايات إلا ما كان متصلاً أو ما كان مرفوعاً فتخفى عليك العلل الخفية التي امتاز علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- بمعرفتها.

هذه النقطة الأولى التي أريد التنبيه عليها في هذا الباب.

النقطة الثانية: أن كلمة الاعتبار لها عند علماء الحديث معنيان نحن الآن نتكلم عن معنى الاعتبار هذا المصطلح حيث يرد على ألسنة علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- كلمة الاعتبار، نحن ذكرنا في أول الدرس أن الاعتبار يأتي بمعنى التقوية، فهذا راو يصلح للاعتبار وذاك لا يصلح للاعتبار، أي أن هذا الراوي يصلح الحديث لأن يستأنس به ويستشهد به ويعتبر به لتقوية الرواية الأخرى التي جاءت موافقة له فهذا معنى معروف ولكن ليس هو المعنى الوحيد لكلمة الاعتبار، وكثيراً ما يأتي الاعتبار بغير هذا المعنى فيتوهما السامع أو القاريء أن قائله لم يقصد بالاعتبار إلا ذلك المعنى الذي هو معروف مشهور لدى الناس، وإلا فالاعتبار يأتي أحياناً بمعنى آخر وهو بمعنى المعرفة والاختبار، وهذا كل الناس فيه سواء, كل الناس أو علماء الحديث -عليهم رحمة الله تعالى- يعتبرون رواياتهم ويختبرونها ثم يتمخض من تلك الاختبارات إن كان الراوي ثقة أو غير ثقة، كما مثلاً الإمام ابن معين -عليه رحمة الله تبارك وتعالى - لما جاءه إسماعيل بن علية وقال له: يا إمام، يا أبا زكريا، كيف حال حديثي؟ قال: «أنت مستقيم الحديث» قال وكيف عرفتم ذلك؟ قال: «عارضنا بها أحاديث الناس فوجدناها مستقيمة».

إذن الإمام ابن معين لما جمع أحاديث إسماعيل بن علية واختبرها بأن عرض هذه الأحاديث على أحاديث غيره من الناس تبين له أن هذا الرجل يوافق الثقات كثيراً فاستدل بذلك على كونه من الثقات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير