تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنما يتسامح في باب التسامح فيما إذا كان المشهود له صحيحاً ثابتا أصلاً ثم بعد ذلك ننظر فيما يقويه ويؤكده ويدعمه أكثر.

هذا الباب الذي هو من أبواب علل الأحاديث وكما ترون هو باب يحتاجه كل ناظر في الحديث فالذي يريد أن يعرف صحة الحديث من عدم صحته لابد وأنه سيحتاج إلى باب الاعتبار، لأنه سيكون بين يديه حديث إسناد ومتن هو يريد أن يحكم عليه ويميز هل هو من الصحيح أم ليس من الصحيح؟ هل هو من المحفوظ أم ليس من المحفوظ؟ فلابد أن يعرف هذا الراوي الذي تفرد به أم لم يتفرد؟ تابع أم لم يتابع؟ خولف أم لم يخالف؟ لأن بمعرفته لهذه الأمور سينبني على ذلك الحكم الذي يستحقه ذلك الحديث من حيث القبول أو الرد، فإذن ما من باحث إلا وهو في حاجة إلى هذا النوع من أنواع علوم الحديث.

وبالنظر في تعامل علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- مع هذا النوع من أنواع علوم الحديث يتبين أنهم -رحمهم الله تبارك وتعالى- يدققون جدًّا في نقاط في غاية الأهمية وكثير من الباحثين يغفل عن هذه النقاط ولا يعتبرها حيث اعتبرها علماء الحديث -عليهم رحمة الله تعالى- فرأيت أن ألخصها في عدة نقاط لأبين من خلال هذه النقاط مناهج علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- في اعتبار الروايات وتمييز المحفوظ منها من غير المحفوظ.

فأولاً: علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- عندما يعتبرون الروايات لا ينظرون فقط في الروايات المرفوعة المتصلة إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لا شك أن المرفوع المتصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هو من أفضل الأسانيد وأفضل الروايات، ولكن علماء الحديث حيث يعتبرون هم يجمعون كل ما يندرج تحت هذا الباب مما يمكن أن يستدل به على صحة الحديث أو عدم صحته، فحينئذ هم لا يكتفون عندما يعتبرون أي يجمعون ويحصرون الروايات الموجودة في كتب الحديث وفي صدور الرجال لا يكتفون فقط بالروايات المرفوعة أو الروايات المتصلة إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بل يجمعون كل شيء يمكن أن يندرج تحت هذا الباب.

كما قال أبو حاتم الرازي -رحمه الله تعالى- «إذا كتبت فقمش ثم إذا رويت ففتش» يعني إذا أردت أن تجمع الروايات لتعتبرها فاجمع الغث والثمين فاجمع كل ما ينفع وما لا ينفع فرب خطأ يهدي إلى كثير من الصواب، ورب حديث يرشدك إلى معنى في حديث آخر، ورب رواية ترشدك إلى علة وقعت في رواية أخرى فينبغي عليك أن تكثر من الجمع ولهذا كان الإمام علي بن المديني -رحمه الله تبارك وتعالى- يقول «الباب إذا لم تجمع طرقه لا يتبين خطؤه» فلابد أن تكثر من الجمع وهذا هو الأمر الذي يتميز به علماء الحديث عن غيرهم فعلماء الحديث لا يكتفون بالنظرة السطحية في الإسناد فيقولون هذا إسناد يشتمل على رواة هذا الراوي ثقة وذاك ثقة، وهذا ثقة وكل قد سمع من شيخه إذن الحديث صحيح، هذه نظرة سطحية لا يعتبرها علماء الحديث ولا يكتفون بها ولا يغترون بظاهرها وإنما يتتبعون الروايات فلربما كان هذا الثقة وإن كان هو من جملة الثقات أخطأ في هذا الحديث بخصوصه، فكيف نميز إن كان هذا الحديث مما أصاب فيه أو مما أخطأ فيه؟.

بجمع الروايات وضرب بعضها ببعض وعرض بعضها على بعض فيتبين من ذلك ما أصاب فيه المصيب وما أخطأ فيه المخطيء.

فلربما مثلاً كان الحديث مما اختلف فيه الرواة رفعاً ووقفاً بعضهم يروي الحديث مرفوعاً والبعض الآخر يرويه موقوفاً والذي رفع أخطأ بينما الصواب مع من قد وقف الحديث، فإن أنت لم تعرف من الباب إلا المرفوعات لن تتنبه إلى هذا الخلاف الواقع بين الرواة في رفع الحديث ووقفه.

وبناء على هذا ستخفى عليك علة هذا الحديث حيث قد وقفه الحفاظ وأخطأ في رفعه بعض الرواة فلابد إذن من جمع الموقوفات على الصحابة والتابعين حتى يتبين من خلال ذلك ما اختلف فيه الرواة رفعاً ووقفاً، قد يكون الخلاف الواقع بين الرواة من قبل أو من جهة الاختلاف في وصل الحديث وإرساله بعضهم يوصل الحديث وبعضهم يرسله، فإن أنت لم تعتني إلا بجمع الموصولات ولم تكترث روايات المرسلة وبالاعتناء بجمعها فلربما كان الحديث الصواب فيه الإرسال ثم أخطأ من أخطأ فوصله، الحديث وأنت لم تتطلع إلا على تلك الرواية الموصولة، فلا تتنبه إلى علة الحديث، والعكس كذلك قد يكون الحديث صحيح من جهة الرفع والوقف،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير