تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولهذا يقول الإمام ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تبارك وتعالى- «وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه» يعني لم تقع خلاف مجرد تفرد، «يقولون إنه لا يتابع عليه ويجعلون أن ذلك علة فيه» ثم بين أن ليس كل تفرد يكون علة في الحديث فقال: «اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه» هؤلاء كبار الحفاظ يحتمل من مثلهم أن يأتوا بما لا يعرف عند غيرهم، قال وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولهم في كل حديث نقد خاص ليس عندهم لذلك ضابطٌ يضبطه، إنما عموماً الثقات الحفاظ الأصل أن تقبل تفرداتهم، أما الشيوخ الذين لا يعرفون بكثرة السماع والرواية فهؤلاء الأصل عدم قبول تفرداتهم اللهم إلا أن يتبين في حديث ما أن هذا الحافظ أخطأ فيه فلا يقبل منه أو أن هذا الشيخ أصاب فيه فيقبل ذلك منه وهذا راجع إلى الاعتبارات الأخرى والقرائن المحتفة بالرواية.

المعنى الرابع: أن يكون الحديث قد رواه راو مقلاً من الرواية كما نحن قلنا المكثر يحتمل من مثله أن يأتي بما لا يعرفه غيره أما المقل هو أصلاً لم يرو إلا القليل من الحديث فأنى لمثل هذا أن يأتي بشيء لا يعرفه غيره ولهذا كان ابن عون يقول: «لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له بالطلب واشتهر ذلك بين الناس» وكان الإمام شعبة بن الحجاج خذوا العلم من المشهورين، وسئل الإمام أبو حاتم الرازي -رحمه الله تبارك وتعالى- عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع، فقال: «لا بأس بحديثه ليس منكر الحديث» فهذ العبارة تدل على أن الراوي في جملة الثقات وإن كان من أدنى مراتب الثقات، ثم قيل له يا إمام أيحتج بحديثه؟ قال: «لا هو يحدث بشيء يسير هو شيخ» يعني مقل من الرواية فمثل هذا لا يحتمل منه أن يحتج بما تفرد به إنما يصلح في الشواهد، يصلح في أن يستأنس بروايته، في أن يعتبر بروايته فيقوى بها رواية أخرى لكن أن يعتمد عليه وأن يؤخذ منه أصل لا يوجد عند غيره فهذا أمر آخر.

وكما جاء عن أبي حاتم أيضاً في موضع آخر لما سئل عن بعض الشيوخ أيحتج به قال: «من كل ألف شيخ يحتج بشيخ» لا يقصد بالشيوخ إلا المعنى الذي شرحناه سابقاً من أنهم من دون الحفاظ، المقلون، الذين لا يعرفون بكثرة السماع ورواية الحديث، وسئل الإمام أحمد عن إسماعيل بن زكريا الخلقاني، فقال: «أما الأحاديث المشهورة» انظر معنى أنها مشهورة أنه لم يتفرد بها وإنما يرويها غيره أيضاً، «أما الأحاديث المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب الحديث صالح، ولكن ليس ينشرح الصدر لها» يعني فيما تفرد به.

قيل له لماذا؟ قال: «لأنه ليس يعرف بالطلب» ليس يعرف بطلب لم يتفرغ لم يفن عمره في طلب الحديث, وإنما جلس مجالس قليلة أو سمع أحاديث قليلة وليس كالذي أفنى عمره في طلب الحديث، وقال في رواية أخرى: «ما كان به بأس» إذن هو عنده من جملة الثقات، ومع ذلك لكونه ليس معروفاً بالطلب، أي مقل في الرواية لم يعتن بالرواية العناية الكبيرة فلأجل هذا لا يعتمد عليه ولا يحتج بما تفرد به، وهذا الراوي نفسه لم سئل عنه يحيى بن معين قال: «ليس به بأس» وابن معين إذا قال ليس به بأس فهو عنده من الثقات، ثم قال في موضع آخر: «صالح الحديث» قيل له أيحتج به قال: «لا, الحجة شيء آخر» نحن نقول صالح الحديث ليس به بأس واضح هذا الكلام من حيث ما يستحقه الراوي من حيث منزلته في الجرح والتعديل لكن الحجة شيء آخر، لأن الحجة بالحديث ليس متوقفا على حال الراوي فقط كما قلنا في اللقاء السابق حال الراوي من جهة ومدى أهليته لقبول ذلك الذي تفرد به من عدم أهليته لذلك، وقال الإمام الذهبي في حديث رواه مجاهد بن وردان عن عروة عن عائشة قال: «إن مجاهد هذا شيخ محله الصدق مقل» إذن هو من جملة الثقات ولكنه مع ذلك مقل من الحديث، فقال الذهبي ماهو كالزهري وهشام بن عروة في التثبت، وهو إن كان من جملة الثقات لكن ليس كهؤلاء الكبار الحفاظ.

كيف نتعامل مع حديث مثل هذا الرجل؟ قال: «فتفرده بالجهد أن يكون صحيحاً غريباً ولو استنكر حديثه هذا لساغ» إذن لم يعامله معاملة الزهري وهشام بن عروة من كبار الحفاظ لما قد شرحه من أنه ليس مكثراً من سماع الحديث بل هو رجل مقل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير