الأمر الثاني: علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- كما قلنا لا يعتبرون مجرد التفرد علة، وإنما العلة التفرد مع ما انضم إليه من دليل يدل على الخطأ أو من قرينة ترجح جانب الخطأ فهذا هو التفرد الذي يكون خطأ أو التفرد الذي يعل به الحديث وأنا كنت قد جمعت ذلك في أبيات لا بأس أن تعرفوها لتكون ضابطاً عاماً للأسباب التي إذا انضمنت إلى التفرد يكون ذلك دليلاً على الخطأ, ويكون موجباً لإعلال الحديث وهذه المعاني التي ضمنتها هذا النظم ليست جامعة لكل القواعد التي يمكن أن تنضم إلى التفرد فيكون ذلك دليلاً على خطأ الراوي أو على علة الحديث, وإنما هذا أكثر ما يستعمل ويوجد في كلام أهل العلم -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى-.
قلت:
• وكثر الإعلال بالتفرد لدى أئمة الحديث العمد
• وجاء ذم الفرد عن جمهور العلما والمدح للمشهور
• فقو الاعلال به إن تقترن به قرينة كأن يكون من
• نازل أو من هم دون أهل الحفظ والإتقان أو مقل
• أو عن إمام مكثر أصحابه قد جمعوا حديثه
• أو كتبه مشهورة أو أن يكون الخبر إسناده أو متنه مستنكر
• أو جرت العادة باشتهار ما كان مثله من الأخبار
• أو اعترى الرواية اختلاف يقدح وهو عندهم أصناف
فهذه ضوابط عامة لمعرفة المعاني التي إذا ما انضمت إلى التفرد كان ذلك دليلاً على خطأ هذا الراوي المتفرد ونحن نشرح هذه المعاني بشيء من الإيجاز ليتسع لنا المقام:
أولاً: أن يكون التفرد الذي وقع في الرواية من قبل راو متأخر نازل في الطبقة ونحن ذكرنا في لقاء سابق ما ذكره الإمام الذهبي -رحمه الله تبارك وتعالى- لما ذكر الحفاظ الثقات ورتبهم على الطبقات من الصحابة حتى إلى زمن مشايخه، فذكر في كل طبقة طبقة من كان في هذه الطبقة من كبار الحفاظ من كبار الثقات الحفاظ فبعد أن سمى هذه الطبقات وسمى الأعلام الحفاظ في هذه الطبقات، قال: «فهؤلاء الحفاظ الثقات إذا انفرد الرجل منهم من التابعين فحديثه صحيح، وإن كان من الأتباع أي أتباع التابعين قيل صحيح غريب» انظر تغير الحكم باختلاف الطبقة ثم قال: «وإن كان من أصحاب الأتباع قيل غريب فرد» لم يقل صحيح حينئذٍ ثم قال: «ويندر تفردهم فتجد الإمام منهم» هو لا يتكلم عن الضعفاء وإنما يتكلم عن الثقات الحفاظ «فتجد الإمام منهم عنده مائة ألف حديث لا يكاد ينفرد بحديثين ثلاثة ثم قال وأما من بعدهم فأين ما ينفردون به ما علمته وقد يوجد» ثم قال: «وقد يسم جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثله شيء وهو من الثقات وحفص بن غياث وهو أيضاً من الثقات منكراً» يعني يسمون تفرد هؤلاء الثقات مناكير؛ لأنهم نازلون في الطبقة ثم قال: «فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة يعني شيوخ البخاري وشيوخ مسلم إذا انفردوا أطلقوا النكارة على ما انفرد به مثل عثمان بن أبي شيبة وأبي سلمة التبوزكي وقالوا هذا حديث منكر» هو يتكلم عن الثقات الحفاظ ثم بين أن تفرد هؤلاء الثقات الحفاظ يختلف الحكم عليه باختلاف الطبقة وقد رأيت أننا كلما نزلنا بالطبقة كلما كان التفرد أقرب من الضعف منه إلى القبول.
والإمام البيهقي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى - قال في كرام معروف له قال: «فمن ينفرد اليوم بحديث لا يوجد عند غيره لا يقبل منه» هو إنما يتكلم عما ينفرد به الثقات لا ما ينفرد به الضعفاء، فمن ينفرد اليوم بحديث لا يوجد عند غيره لم يقبل ذلك منه وبطبيعة الحال هذه مسألة دقيقة جداًً وتحتاج إلى كلام طويل وإنما نجتزيء اليوم على إشارات لعل يكون فيها هداية لطالب العلم.
السبب الآخر من الأسباب التي إذا ما انضمت إلى التفرد كان ذلك علة في الحديث أن يكون التفرد من قبل واحد ليس من الحفاظ وإنما هو من دون الحفاظ ونحن ذكرنا في اللقاء السابق أن من دون الحفاظ يسمون بالشيوخ، وهؤلاء تفرداتهم ليست كتفردات الحفاظ، الحافظ سمع كثيرا، سمع فأوعى فبإمكانه أن يأتي بما لا يعرفه غيره، فيتفرد مثل ذلك ويحتمل منه التفرد.
أما من لم يطلب من العلم إلا القليل لم يسمع من العلم إلا الحديث والحديثن والثلاثة ولم يرحل إنما سمع من أهل بلده فقط فأنى لمثل هذا أن يأتي بشيء لا يعرفه غيره من الثقات الحفاظ.
¥