تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بن عباس و كعب بن عجرة، فكأنهما تلقياه - إن صح عنهما - عن كعب كما هو الشأن

في كثير من الإسرائيليات، ثم وهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه

وسلم. ثم إن قول أبي نصر " إن رواة طريق قتادة من رجال الصحيح " صحيح، و كذلك

قال الهيثمي في " المجمع " (8/ 100) بعد أن عزاه للطبراني، و لكن لا يلزم

من ذلك أن يكون سند الحديث بالذات صحيحا لجواز أن يكون فيه من تكلم فيه، و إن

كان صاحب الصحيح احتج به، فإنه يجوز أن ذلك لأنه لم يثبت جرحه عنده، أو أنه

كان ينتقي من حديثه مع اعتقاده أن فيه ضعفا يسيرا لا يسقط به حديثه جملة عنده،

خلافا لغيره. و إسناد هذا الحديث من هذا القبيل، فإن محمد بن فليح بن سليمان

و أباه، و إن أخرج لهما البخاري فإن فيهما ضعفا و خاصة الأب، فقد ضعفه ابن

معين حتى جعله دون الدراوردي و هذا حسن الحديث! و قال في رواية: " فليح ليس

بثقة و لا ابنه "، و كذلك ضعفه ابن المديني و النسائي و الساجي و قال: " هو

من أهل الصدق، و يهم ". و لذلك لم يسع الحافظ إلا الاعتراف بضعفه فقال في "

التقريب ": " صدوق كثير الخطأ ". و أما ابنه محمد فهو أحسن حالا من أبيه،

ففي " الميزان ": " قال أبو حاتم: ما به بأس، و ليس بذاك القوي. و وثقه

بعضهم و هو أوثق من أبيه. و قال ابن معين ليس بثقة ". و قال الحافظ: " صدوق

يهم ". و إن مما يدل على ضعفهما و ضعف حديثهما اضطرابهما في إسناده. فتارة

يقولان: عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين عن قتادة. و تارة: عن سالم أبي

النضر بدل سعيد بن الحارث، و يقرن مع ابن حنين بسر بن سعيد و تارة يجعل

مكانهما أبا الحباب سعيد بن يسار، و هذا كله من فوائد أبي نصر رحمه الله في

هذا الجزء من " الأمالي ". حيث حفظ لنا فيه ما ينير السبيل على البحث في حال

هذا الحديث. و أما إسناد حديث شداد فلم أقف عليه لننظر فيه، و غالب الظن أن

فيه علة تقدح في صحته. و الله أعلم.

و مما يوهن من شأن هذا الحديث أنه صح عن

عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد، واضعا

إحدى رجليه على الأخرى. رواه البخاري (1/ 466 بفتح الباري طبع بولاق) و

ترجم له بـ " باب الاستلقاء في المسجد " ثم روى عن سعيد بن المسيب قال: كان

عمر و عثمان يفعلان ذلك، فلو كان الاستلقاء المذكور لا ينبغي لأحد من خلقه

سبحانه كما زعم الحديث لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه من

بعده، كما لا يخفى. و لا يعارض هذا ثبوت النهي عن الاستلقاء في صحيح مسلم (6

/ 154) و غيره لأنه غير معلل بهذه العلة المذكورة في هذا الحديث المنكر، و

للعلماء مذهبان في الجمع بين هذا النهي و بين فعله صلى الله عليه وسلم المخالف

للنهي:

الأول: ادعاء نسخ النهي

الثاني: حمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة و الجواز حيث يؤمن ذلك

و في كل من المذهبين إشارة إلى رد هذا الحديث،

فإنه لا يتمشى معهما البتة، أما على المذهب الأول فلأن الحديث صريح في أن

الاستلقاء المذكور فيه من خصوصيات الله عز وجل فكيف يجوز ذلك؟! و أما على

المذهب الثاني فلأنه صريح في أن العلة عنده هو انكشاف العورة أو عدم انكشافها،

فلو كان يصح عنده أن العلة كون الاستلقاء من خصوصياته سبحانه لم يجز التعليل

بغيرها و هذا ظاهر لا يخفى أيضا.

و جملة القول إن هذا الحديث منكر جدا عندي،

و لقد قف شعري منه حين وقفت عليه، و لم أجد الآن من تكلم عليه من الأئمة

النقاد غير أن الحافظ الذهبي أورده في ترجمة " فليح "، كأنه يشير بذلك إلى أنه

مما أنكر عليه كما هي عادته في " ميزانه ". و الله أعلم. ثم وجدت في بعض

الآثار ما يشهد لكون الحديث من الإسرائيليات، فروى الطحاوي في " شرح المعاني "

(2/ 361) بسند حسن أنه قيل للحسن (و هو البصري): قد كان يكره أن يضع

الرجل إحدى رجليه على الأخرى؟ فقال: ما أخذوا ذلك إلا عن اليهود ".

ثم رأيت البيهقي سبقني إلى الكلام على الحديث بنحو ما ظهر لي، فقال في " الأسماء و

الصفات " (ص 355) بعد أن ساقه من طريق إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح:

" فهذا حديث منكر، و لم أكتبه إلا من هذا الوجه، و فليح بن سليمان مع كونه من شرط البخاري و مسلم، فلم يخرجا حديثه هذا في " الصحيح "، و هو عند بعض الحفاظ

غير محتج به ".

ثم روى بسنده عن ابن معين قال: لا يحتج بحديثه. و في رواية:

قال: ضعيف. قال: و بلغني عن النسائي أنه قال: ليس بالقوي. قال: " فإذا

كان فليح بن سليمان المدني مختلفا في جواز الاحتجاج به عند الحفاظ لم يثبت

بروايته مثل هذا الأمر العظيم.

و فيه علة أخرى، و هي أن قتادة بن النعمان مات

في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. و صلى عليه عمر، و عبيد بن حنين مات

سنة خمس و مائة، و له خمس و سبعون سنة في قول الواقدي و ابن بكير، فتكون

روايته عن قتادة منقطعة، و قول الراوي: و انطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد لا

يرجع إلى عبيد بن حنين، و إنما يرجع إلى من أرسله عنه، و نحن لا نعرفه، فلا

تقبل المراسيل في الأحكام، فكيف في هذا الأمر العظيم؟! ".

انتهى كلام الشيخ رحمه الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير