تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[صيغ التحديث وعلاقته بالتدليس]

ـ[أبو محمد السوري]ــــــــ[23 - 07 - 09, 09:31 م]ـ

الحمد لله رب العالمين00والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أمَّا بعد:

إنَّ من أهم ما يميز منهج المتأخرين عن منهج المتقدمين هو إغراق المتأخرين في الاعتماد على صيغ التحديث، والتي توجد عادة في الأسانيد، إذا نراهم كثيراً ما يصححون الأسانيد ويحكمون عليها بالإتصال بمجرد النظر إلى ظاهر لفظ التحديث

فإذا كان الراوي مدلساً – مثلاً – و جاءت لفظة التحديث مصرحة بالسماع فيأتي المتأخر ليطير بها فرحاً ويصيح: فلان مدلس وقد صرح بالسماع، وكأن العنعنة هي مظنة الإنقطاع فقط، أو أنَّ التصريح بالسماع دليل الإتصال0

فلا العنعنة عند المتقدمين علة بذاتها إذا كان الراوية مدلساً، ولا التصريح بالسماع نافٍ لهذه العلة، وذلك لاحتمال أن تكون هذه الصيغ غير صحيحة – كما سنرى في هذا المبحث إن شاء الله – فقد تكون من وهم الرواة أنفسهم، كما سنرى

ولعلَّ هذا المبحث سيلقي الضوء على هذا الجانب الهام من جوانب دراسة الأسانيد، كما سيبين أيضاً عظمة أسلافنا المتقدمين، وبُعدِ نظرهم في نقد الأسانيد والمتون على حد سواء0

فالذي سيقف على هذه المبحث – والذي اسأل الله تعالى أن ينفع به طلاب العلم – يدرك بجلاء كيف أنَّ هؤلاء النقاد لم يسلموا عقولهم إلى هذه الأوهام الواردة في الأسانيد أو المتون00وكيف أنَّهم استطاعوا أن يميزوا هذه الأوهام بكل جدارة وثقة0

و هذا بعض من جهود الأئمة النقاد في الكشف عن أوهام الراوية وصيغ التحديث، أضعه بين يدي طلاب العلم راجياً المولى سبحانه وتعالى القبول0

أمَّا جمهور المتأخرين فإنَّهم يعتمدون على هذه الصيغ في إثبات الإتصال بين الراوي وشيخه، دون البحث في كلام النقاد لإثبات هذا الاتصال أو نفيه، فالكثير من هذه الصيغ ربما تكون من تصرف الرواة0

وفي ذلك يقول الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى:

" اشتهر في هذا الباب العنعنة مع أنَّ كلمة:" عن "0ليست من لفظ الراوي الذي يذكر اسمه قبلها، بل هي لفظ من دونه وذلك كما لو قال همَّام:" حدثنا قتادة عن أنس "0فكلمة:" عن "0من لفظ همَّام لأنَّها متعلقة بكلمة:" حدَّثنا "0وهي من قول:" همَّام "0لأنَّه ليس عادتهم أن يبتدىء الشيخ فيقول:" فلان00"0 1

والحقيقة إنَّ الأسباب التي تحمل الرواة على التصرف في صيغ التحديث، عديدة، منها:

1 – ما قد تكون بسبب ضعف الراوي وقلة ضبطه: إذا أنَّ الراوي الضعيف فكما أنَّه لا يضبط متن الحديث، فكذلك لا يضبط الإسناد ضبطاً يجعل المرء يطمئن إليه، وأمثلة ذلك كثيرة، منها:

1 - قال ابن أبي حاتم:" حدثنا محمد بن إبراهيم بن شعيب حدثنا عمرو بن علي قال ذكر ليحيى يعني ابن سعيد حديث موسى بن عبيدة عن عمر بن الحكم قال سمعت سعدا يحدث عن النبي ? قال صلاة في مسجدي هذا، فأنكر أن يكون عمر بن الحكم سمع من سعد "0 2

ولعلَّ التصريح بالسماع هنا هو من تصرف موسى بن عبيدة وهو ضعيف كما هو معلوم، وقد أشار ابن أبي حاتم إلى هذا في قوله - بعد أن أورد هذا النص في تقدمة كتابه الجرح والتعديل -:" ولم يرض – أي يحيى القطان - موسى بن عبيدة"0 3

2 – وقال ابن أبي حاتم: " سمعت أبي يقول، وذكر حديثا حدثه مسلم بن إبراهيم حدثنا ربيعة بن كلثوم، قال: سمعت الحسن، يقول: حدثنا أبو هُرَيرة، قال: أوصاني خليلي بثلاث0

قال: أبي لم يعمل ربيعة بن كلثوم شيئا، لم يسمع الحسن من أبي هُرَيرة شيئا0

قلت لأبي رحمه الله: إنَّ سالما الخياط روى عن الحسن، قال: سمعت أبا هُرَيرة، قال: هذا ما يبين ضعف سالم "04

3 – و قال ابن أبي حاتم: " كتب إلي علي بن أبي طاهر حدثنا أحمد بن محمد بن هانىء الأثرم قال قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل:

ليست لعبد الله بن زيد صحبة صحيحة00؟؟ 0

فقال: أما صحيحة فلا، ثم قال: شيء يرويه أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي بردة عن عبد الله بن زيد، قال: سمعت النبي ? 0

وضعفه أبو عبد الله وقال ما أرى ذاك بشيء "0 5

2 – ومنها ما قد يكون بسبب وهم الراوي الثقة: وذلك أنَّ الثقة قد يهم في الإسناد، كما قد يهم في المتن0

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير