والأحوص غمزه سفيان بن عيينة، وقال أحمد بن حنبل: «لا يسوى حديثه شيئًا»، وقال مرةً: «واهٍ»، وقال ابن معين: «ليس بشيء»، وقال ابن المديني - في رواية -: «لا يكتب حديثه»، وقال يعقوب بن سفيان: «حديثه ليس بالقوي»، وقال الجوزجاني: «ليس بالقوي في الحديث»، وقال أبو حاتم: «ليس بقوي، منكر الحديث»، وقال النسائي في موضع: «ضعيف»، وفي موضع: «ليس بثقة»، وقال الساجي: «ضعيف، عنده مناكير»، وقال ابن حبان: «لا يعتبر بروايته».
وقد قوّاه واحتمله بعض العلماء، كابن المديني - في رواية -، والعجلي، والدارقطني، وابن عمار (انظر: ضعفاء العقيلي: 1/ 120، تهذيب التهذيب: 1/ 168).
ومن كانت هذه حاله فليست روايته بمحتملة، فكيف به وقد اضطرب ذلك الاضطراب الشديد؟!
فأحاديث أبي أمامة وعتبة بن عبد وابن عمر من هذه الطريق - طريق الأحوص - مناكير من تخليطات واضطراب الأحوص بن حكيم.
الطريق الثانية لحديث أبي أمامة: طريق عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي عن موسى بن علي عن يحيى بن الحارث عن القاسم عن أبي أمامة:
وعثمان بن عبد الرحمن هذا سمي بالطرائفي لأنه كان يتتبع طرائف الحديث. وقد تكلم فيه كثير من العلماء، وبيّنوا نكارة مروياته، وعهدوا بذلك إلى المجاهيل والضعفاء الذين كان يروي عنهم.
قال قتيبة بن سعيد: «يروي عن قوم ضعاف»، وقال أبو حاتم: «يروي عن الضعفاء، يشبَّهُ ببقية في روايته عن الضعفاء»، وقال أبو أحمد الحاكم: «يروي عن قوم ضعاف، حديثه ليس بالقائم»، وقال أبو عروبة الحراني: «يحدث عن قوم مجهولين بالمناكير»، وقال أيضًا: «كان الطرائفي يروي عن مجهولين، وعنده عجائب»، قال ابن عدي: «وصورة عثمان بن عبد الرحمن أنه لا بأس به كما قال أبو عروبة، إلا أنه يحدث عن قوم مجهولين بعجائب، وتلك العجائب من جهة المجهولين ... وما يقع في حديثه من الإنكار فإنما يقع من جهة من يروي عنه»، وقال الساجي: «عنده مناكير». (انظر: التاريخ الكبير: 6/ 238، الجرح والتعديل: 6/ 157، تهذيب التهذيب: 7/ 123).
وحديثنا هذا من بابة المناكير التي رواها الطرائفي، فإن شيخه (موسى بن علي) مجهول، وهذه هي الصورة نفسها التي حكم الأئمة على روايات الطرائفي فيها بالنكارة، ووصل الأمر إلى أن تُكُلّم فيه من أجلها.
ولا يُظنّ أن موسى بن علي هذا هو ابن رباح اللخمي، لأمور:
أحدها: أن يحيى بن الحارث ليس بذاك الكبير فيروي عنه اللخمي، بل شيوخ اللخمي كبار، ومن ذكره المزي في تهذيب الكمال منهم توفوا فيما بين سنة (110) و (130)، ويحيى بن الحارث توفي سنة (145).
ثانيها: أن ابن رباح اللخمي كان أميرًا لمصر، وشيوخه إما مصريون، أو قدموا مصر، أو مدنيون - ربما كان لقيهم في الحجاز في رحلةٍ حج أو نحوها، وأما يحيى بن الحارث فشامي دمشقي، إمام جامع دمشق، ولا يُعرف لأحدهما رحلة إلى بلد الآخر، فيبعد لقاؤهما.
ثالثها: أن عثمان بن عبد الرحمن حراني من أهل الجزيرة، واللخمي مصري - كما سبق -، فأين يقع هذا على هذا؟! ولم يُذكر في شيوخه ولا ذُكر هو في تلامذته، ولم أقف لعثمان رواية عمن اسمه (موسى بن علي) إلا في هذه الرواية.
وكل هذه قرائن دالة على أن موسى بن علي شيخ الطرائفي هنا مجهولٌ لا يُعرف، وفي مثل روايته عنه أطلق العلماء كلماتهم في النكارة والضعف.
3 - دراسة أسانيد حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -:
الطريق الأولى: طريق الأحوص بن حكيم:
وقد سبق بيان تخليطه واضطرابه فيها، ونكارتها.
الطريق الثانية: طريق الفضل بن موفق عن مالك بن مغول عن نافع عن ابن عمر:
وهذه أعلها الطبراني بعد أن أخرجها قال: «لم يرو هذا الحديث عن مالك بن مغول إلا الفضل بن موفق»، والفضل هذا قال فيه أبو حاتم: «ضعيف الحديث»، وقال: «كان يروي أحاديث موضوعة» (الجرح والتعديل: 7/ 68).
وتفرده مع ضعفه عن مالك بن مغول واضحٌ في نكارة هذه الرواية، خاصةً أنه أتى بإسناد كالشمس عن ابن عمر، ولو كان صحيحًا عن مالك بن مغول لتسابق أصحابه الثقات الكبار على روايته عن مالك، ولم يتفرد به هذا الضعيف عنه.
4 - حديث عائشة - رضي الله عنها -:
وهذا تفرد به إسحاق بن بشر البخاري عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة!!
وحكاية اسم هذا الراوي - فضلاً عن تفرده بهذا الإسناد الذهبي - تغني عن بيان نكارة روايته ووهائها، فإن إسحاق هذا كذاب متروك (انظر: لسان الميزان: 1/ 354)، وروايته هذه موضوعة مختلقة - فيما يظهر -، قال ابن عدي بعد أن أخرجها وغيرها عن إسحاق: «وهذه الأحاديث مع غيرها مما يرويه إسحاق بن بشر هذا غير محفوظة كلها، وأحاديثه منكرة إما إسنادًا أو متنًا، لا يتابعه أحد عليها».
وبعد،،
فهذه طرق الحديث كلها، وقد قال ابن حبان - بعد أن أخرج ثلاثة أحاديث للأحوص بن حكيم ثالثها حديثنا -: «والحديث الثالث، وإن روي من غير هذا الطريق؛ فليس يصح».
ولمتعجبٍ أن يتعجب من صنيع المتأخرين والمعاصرين، حين لم ينظروا في نكارة هذه الأوجه، ووهائها، وضعفها الشديد، فذهبوا يقوّون بعضها ببعض، فحسنها بعضهم بمجموعها، وما اكتفى بعضهم بذلك حتى صححها!
وقد قال إمام الصنعة أحمد بن حنبل: «الضعفاء قد يحتاج إليهم في وقت، والمنكر أبدًا منكر»، وهذا ما صنعه الإمام ابن حبان - فيما سبق نقله عنه -، فلم يقوِّ هذه المناكير والتخليطات الباطلة ببعضها، بل أنكرها جميعًا، وذكر أن الحديث لا يصح ولو تعددت طرقه؛ لأنها مناكير شديدة الضعف، لا تقوِّي ولا تتقوَّى.
ولعله أُتي المتأخرون ومَنْ تابعهم من المعاصرين من النظر في الأسانيد المفردة، والحكم على كل إسنادٍ وحدَهُ، ثم جمع الأسانيد وتقويتها ببعضها، مع أن بعض الأسانيد المعضِّدة - عندهم - هي علة الأسانيد المعضَّدة!
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
يُنظر هنا للاستزادة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=6384
¥