5 - قال الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ): " كان ابن أبي زائدة إذا قال: قال ابن جريج، عن فلان، فلم يسمعه، وكان يحدث عن ابن جريج، فلا يجيء بالألفاظ والأخبار " ([137] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn137)) .
بناء على ما سبق، فإننا لا نستطيع، أن نحكم على أحاديث ابن جريج المعنعنة، بالتدليس مطلقاً، لأن العنعنة كما أثبتنا، من تصرف الرواة، بل لا بد من جمع الطرق، ومن خلال القرائن المحتفة بالإسناد، نستطيع أن نحكم على الحديث، من خلال ما يظهر لنا. ولا نستطيع أن نحكم عليه بحكم كلي مطرد في جميع الحالات.
من هنا يتبين لناخطأ الحكم، الذي يجري دائماً على حديث المدلس، فيقال: " فيه فلان مدلس وقد عنعن ".
ولو نظرنا إلى حكم المتقدمين، على أحاديث المدلس، نجدهم لا يحكمون عليها بمجرد العنعنة، بل يقولون: فلان دلس هذا الحديث، ومن ذلك ما رواه الحافظ يعقوب بن شيبة السدوسي (ت262هـ) قال: " سألت يحيى بن معين، عن التدليس، فكرهه وعابه. قلت له: أفيكون المدلس حجة فيما روى، أو حتى يقول حدثنا أو أخبرنا؟ فقال: لا يكون حجة فيما دلس " ([138] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn138)) .
فنجد أن الإمام يحيى بن معين، لم يعلق الحكم على العنعنة، بل على ثبوت التدليس من الراوي، ويعرف ذلك باعتبار الحديث وسبر الروايات.
وقال الإمام أحمد، عن هشيم بن بشير ([139] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn139)) ( ثقة إذا لم يدلس) ([140] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn140))، ولم يقل أنه ثقة فيما لم يعنعن فيه. بل علق الحكم على التدليس وعدمه.
وقال الدارقطني في ابن جريج: " يتجنب تدليسه فإنه وحش التدليس ... إلخ " ([141] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn141)).
فنجد الدارقطني قال: " يتجنب تدليسه ولم يقل " عنعنته " وإنما يعرف تدليسه بالاعتبار والقرائن.
3 - أخذ على ابن جريج، أنه حدث بالإجازة والمناولة، وتوسع في ذلك، وهذا ما يسمى بـ " تدليس الصيغ ".
قال الحافظ الذهبي (ت748هـ): " وكان ابن جريج، يرى الرواية بالإجازة والمناولة، ويتوسع في ذلك، ومن ثم دخل عليه الداخل في روايته عن الزهري؛ لأنه حمل عنه مناولة، وهذه الأشياء يدخلها التصحيف، ولا سيما في ذلك العصر، لم يكن حدث في الخط بعد شكل ولا نقط " ([142] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn142)) .
ولقد سبق بيان، أن هذا ليس مذهباً خاصاً بابن جريج، بل ذهب إليه جماعة من المحدثين.
وقد كانت الإجازة المتعارف عليها عند التابعين وتابعيهم، كانت في الشيء المعيّن يعرفه المجيز والمجاز له، أو مع حضور الشيء المجاز فيه. أما الإجازة المطلقة فقد حدثت بعد زمن أتباع التابعين، حيث اشتهرت التصانيف وفهرست الفهارس ([143] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn143)) .
ورواية ابن جريج عن الزهري، وعن هشام بن عروة، إجازة إنما هي من هذا الباب كما سيأتي بيانه.
والذي صح عن الزهري، أنه كان يسوغ الإجازة في المعيّن، كما روى عنه ذلك عبيدالله بن عمر العمري بسند صحيح قال: " أشهد على ابن شهاب، لقد كان يؤتى بالكتب من كتبه، فيقال له: يا أبا بكر، هذه كتبك؟ فيقول: نعم، فيَجَتزيءُ بذلك. وتحمل عنه، ما قرئ عليه " ([144] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn144)) .
قال ابن عبدالبر: " هذا معناه أنه كان يعرف الكتاب بعينه، ويعرف ثقة صاحبه، ويعرف أنه من حديثه، وهذه هي المناولة، وفي معناها الإجازة إذا صح تناول ذلك " ([145] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn145)) .
¥