من خلال ما سبق، يتبين أن العلماء نصوا على حديث: " ليس على مختلس قطع " بأن ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير وذكروا الواسطة بينهما وهو ياسين الزيات، وقال: " أنا حدثت به ابن جريج ".
قال الألباني: " ياسين الزيات متهم، فلا يصدق في قوله، أنه هو الذي حدث ابن جريج، على أنه لو صدق في ذلك، فهو لا ينافي هذا سماع ابن جريج بعد ذلك من أبي الزبير، ولولا أن ابن جريج معروف بالتدليس، لم نتقبل هذا الجزم بعدم سماعه من أبي الزبير، لكن القطع برد هذا، يحتاج إلى رواية فيها التصريح بسماعه من أبي الزبير، وقد وجدتها، ولله الحمد ... إلخ " ([194] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn194)) .
كما أننا نجد في الصحيحين، جملة من أحاديث ابن جريج، عن أبي الزبير بعضها مصرح فيه بالتحديث أو الإخبار، وبعضها بالعنعنة.
ويدل على سماع ابن جريج من أبي الزبير، ونفي سماعه لهذا الحديث فقط.
وقول ابن حبان، أن ما رواه ابن جريج عن أبي الزبير وكان منكراً، فهو مما سمعه من ياسين الزيات، ومفهوم ذلك أنه إذا روى عنه حديثاً مستقيماً فيقبل، فليس كل ما سمعه من أبي الزبير منكر، بل المنكر ما سمعه من ياسين، وهذا له حكم خاص حسب القرائن.
4 - أن ينص أحد الأئمة، أن هذا الحديث أو الحديثين فقط، سماع ابن جريج من شيخه فلان، وما عداهما فلا.
مثال ذلك: قال الدوري: سمعت يحيى يقول: الذي سمع ابن جريج، من حبيب بن أبي ثابت ([195] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn195))، سماع حديثين، وما روى عنه سوى ذلك أظنه بلغه عنه ولم يسمعها، الذي سمع حديث أم سلمة (ما أكذب الغرائب) والحديث الآخر (حديث الرقى)، حدث به ابن جريج قال: حدثني عطاء، عن حبيب بن أبي ثابت، فلقيت حبيباً فحدثني " ([196] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn196)) .
ثالثاً: ما رواه ابن جريج بلفظ " حدثت " و " أخبرت "، فله حكم المرسل لا المدلس؛ لأن الانقطاع فيه ظاهر، ولأن صيغة " حدثت وأخبرت " لا توهم السماع، بينما صيغة التدليس " قال وذكر " توهم السماع.
والمرسل ضعيف عند المحدثين، ولا يقبل إلا إذا جاء متصلاً من طريق آخر، فيقبل ويتعضد به.
وهنا نصل إلى أن الأحاديث التي ثبت فيها تدليس ابن جريج، وروايته فيها عن الضعفاء، فإنها تُسقط ولا يحتج بها، ولا يضر ذلك في باقي حديثه، وخصوصاً إذا روى عن شيوخه الذين أكثر عنهم.
قال الحافظ الحميدي (ت488هـ): " وإن كان رجل معروفاً بصحبة رجل، والسماع منه، مثل ابن جريج عن عطاء، أو هشام بن عروة عن أبيه، وعمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير، ومن كان مثل هؤلاء في ثقتهم، ممن يكون الغالب عليه السماع، ممن حدث عنه، فأدرك عليه أنه أدخل بينه وبين من حدث رجلاً مسمى، أو أسقطه، ترك ذلك الحديث الذي أدرك عليه فيه أنه لم يسمعه، ولم يضره ذلك في غيره، حتى يدرك عليه فيه مثل ما أدرك عليه في هذا، فيكون مثل المقطوع " ([197] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn197)) .
ولقد حاولت التوسع في هذا المبحث لأهميته، ولعلاقته المباشرة بالحكم على الأسانيد، فتدليس ابن جريج قضية تحتاج إلى بحث خاص موسع، تجمع فيها أحاديثه عن الرواة التي قيل فيهم (لم يسمع منهم) فبجمع الطرق ودراسة صيغ التحمل نصل إلى حكم نهائي؛ لأنني من خلال اطلاعي، على أحاديث بعض الرواة، الذين قيل فيهم (لم يسمع منهم)، وجدت في بعض الطرق، تصريح ابن جريج بالسماع، مما يدل على أهمية جمع أحاديث ابن جريج، ودراستها دراسة حديثية نقدية، وهذا يؤكد ما توصلت إليه بأننا لا نستطيع أن نحكم على روايات ابن جريج بحكم كلي بل نحكم بالقرائن.
وقد سئل الشيخ الألباني رحمه الله عن عنعنة ابن جريج، فلم يحكم عليها بحكم كلي وقال: " لا يمكن أن نُعطي لها قاعدة مضبوطة مجسدة تماماً، إنما هذا يعود إلى الدراسة الموضوعية للحديث ذاته، فقد يحتج به وقد لا يحتج به " إلى أن قال: " ما أستطيع أن أقول – هنا – طرداً يستشهد بعنعنة ابن جريج، أو لا يستشهد " ([198] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn198)) .
¥