قول ابن حبَّانَ: ((لأنَّ ما روى الضعيف وما لم يروه في الحكم سيَّان)) انظر: ((السلسلة الضعيفة)) وتعليقي عليه (ج2ص3).
وقال في تقدمته لـ ((تمام المنة)) [ص/34]:
((اشتهر بين كثيرٍ من أهلِ العلمِ وطلابِهِ أنَّ الحديثَ الضعيفَ يجوزُ العملُ بهِ في فضائلِ الأعمالِ، ويظنُّونَ أنَّه لا خلاف في ذلك، كيف لا والنوويُّ ـ رحمه اللَّه ـ نقل الاتفاقَ عليه في أكثرِ من كتابٍ واحدٍ من كتبهِ؟ وفيما نقله نظرٌ بَيِّنٌ؛ لأنَّ الخلافَ في ذلك معروفٌ؛ فإنَّ بعضَ العلماءِ المحقِّقين على أنَّه لا يُعمل به مطلقا لا في الأحكام ولا في الفضائل.
قال الشيخ القاسمي رحمه الله في ((قواعد التحديث)) (ص 94):
((حكاه ابنُ سيدِ الناسِ في ((عيون الأثر)) عن يحيى بنِ معين ونسبه في ((فتح المُغيث)) لأبي بكرِ بنِ العربيِّ، والظاهرُ أنَّ مذهبَ البُخاريِّ ومسلمٍ ذلك أيضاً. . وهو مذهبُ ابنِ حزمٍ. .)).
قلت: وهذا هو الحقُّ الذي لا شكَّ فيه عندي لأمورٍ:
الأوَّل: أنَّ الحديثَ الضَّعيفَ إنما يُفيد الظَّنَّ المرجوحَ، ولا يجوزُ العملُ به اتفاقاً فمن أخرج من ذلك العمل بالحديث الضيف في الفضائل.
قال الشيخ القاسميُّ ـ رحمه اللَّه ـ في ((قواعد التحديث)) [ص/94]:
((لابد أن يأتي بدليلٍ وهيهاتَ)).
الثاني: أنني أفهم من قولهم: ((. . في فضائل الأعمال)) أي الأعمال التي ثبتت مشروعيتها بما تقوم الحجة به شرعاً، ويكون معه حديثٌ ضعيفٌ يسمِّى أجراً خاصاً لمن عمل به، ففي مثل هذا يعمل به في فضائل الأعمال؛ لأنَّه ليس فيه تشريعُ ذلك العملِ به، وإنما فيه بيانُ فضلٍ خاصٍّ يُرجى أن يناله العاملُ به،
وعلى هذا المعنى حمُلِ َالقولَ المذكورَ بعضُ العلماءِ كالشيخِ عليٍّ القَاري ـ رحمه اللَّهُ ـ؛ فقال في ((المِرقاة)) (2/ 381):
((قوله: إنَّ الحديثَ الضعيفَ يُعمل به في الفضائلِ، وإن لم يَعتضد إجماعاً كما قاله النوويُّ محلُّه الفضائلُ الثابتةُ من كتابٍ أو سُنَّةٍ))
وعلى هذا فالعمل به جائز إن ثبت مشروعية العمل الذي فيه بغيره مما تقوم به الحجة، ولكني أعتقد أن جمهور القائلين بهذا القول لا يريدون منه هذا المعنى مع وضوحه؛ لأننا نراهم يعملون بأحاديث ضعيفة لم يثبت ما تضمنته من العمل في غيره من الأحاديث الثابتة مثل استحباب النوويِّ، وتبعه المؤلف (يعني: الشيخَ سيد سابق ـ رحمه اللَّه ـ) إجابة المقيم في كلمتي الإقامة بقوله:
((أقامها اللَّهُ وأدامَها)) مع أنَّ الحديثَ الواردَ في ذلك ضعيفٌ .. فهذا قولٌ لم يثبت مشروعيته في غير هذا الحديث الضعيف، ومع ذلك فقد استحبوا ذلك مع أن الاستحباب حكم من الأحكام الخمسة التي لا بد لإثباتها من دليل تقوم به الحجة وكم هناك من أمور عديدة شرعوها للناس واستحبوها لهم إنما شرعوها بأحاديث ضعيفة لا أصل لما تضمنته من العمل في السنة الصحيحة ولا يتسع المقام لضرب الأمثلة على ذلك وحسبنا ما ذكرته من هذا المثال وفي الكتاب أمثلة كثيرة سيأتي التنبيه عليها في مواطنها إن شاء الله على أن المهم ههنا أن يعلم المخالفون أن العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ليس على إطلاقه عند القائلين به فقد قال الحافظ ابنُ حجر في ((تبيين العجب)) (ص 3 - 4):
((اشتهر أنَّ أهلَ العلمِ يتساهلون في إيراد الأحاديثِ في الفضائلِ وإن كان فيها ضعفٌ ما لم تكن موضوعة، وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديثَ ضعيفاً، وأن لا يشهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث ضعيفٍ؛ فيُشرِّع ما ليس بشرعٍ، أو يراه بعضُ الجُهَّالِ فيظنُّ أنَّه سُنَّةٌ صحيحةٌ، وقد صرَّح بمعنى ذلك الأستاذُ أبو محمَّدِ بنُ عبدِ السَّلاَمِ، وغيرُهُ، وليحذر المرءُ من دخولهِ تحت قوله: آمن حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " فكيف بمن عمل به؟ ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع)).
فهذه شروط ثلاثة مهمة لجواز العمل به:
1 - أن لا يكون موضوعاً.
2 - أن يعرفَ العامل به كونَه ضعيفاً.
3 - أن لا يشهرَ العملُ بهِ.
¥