هو من أقوى الأساليب في إثارة الهمم وتحقيق الأهداف، ونقصد بالغضب: الغضب المشروع، أي الغضب لله عز وجل، ويلجأ المعلم إلى هذا الأسلوب حين يستنفذ وسائل كثيرة قبله، فيغضب غضباً يؤدي إلى المقصود فحسب، شريطة أن يملك زمام نفسه، ويكون متحكماً في تصرفاته، واعياً لأفعاله وألفاظه، دقيقاً في حركاته وعباراته.
عن جابر بن عبدالله ? قال: (كان رسول الله ? إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول صبحكم ومساكم) رواه مسلم والنسائي وابن ماجه.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله ? على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب. وقال: ((بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم)) رواه ابن ماجه والطبراني في الأوسط الكبير.
فالغضب المشروع هو أسلوب ناجح لرد الأمور إلى نصابها، ومنشط قوي يقضي على الفتور الذي مرده إلى الكسل والامبالاة، وأسلوب لا بد منه حين تستنفذ الأساليب، لكنه ليس كل شيء كما هو واقع في بعض الحلقات.
24 - الإعراض والهجر:
الهجر أسلوب شاق على النفس، شديد الوقع على الفؤاد، وهو أكثر الأساليب قسوة خاصة إن عومل به طالب رقيق القلب، بالغ الحساسية.
فلا يلجأ إليه إلا نادراً، مع مراعاة أن يكون محكماً، واضح الهدف، معلَّل الغاية، وألا تسقط به الواجبات، أو تضيع به الحقوق، كرد السلام وعيادة المريض ونحوها.
وهو يدفع الشخص المهجور إلى العودة أحسن مما كان، وينشطه نشاطاً يستنفذ فيه قواه ويستخرج كافة طاقاته للعودة إلى الوضع الاجتماعي الطبيعي.
ولنَرَ حال كعب بن مالك ? حين هجره المسلمون لتخفه عن غزوة تبوك، ونهى رسول الله ? عن كلامنا، قال فاجتنبنا الناس، أو قال تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله ? فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني.
ولنَرَ الأثر الإيجابي للهجر عليه، وبقاء هذا الأثر طيلة عمره، قال كعب بعد أن نزلت توبته: فلما جلست بين يديه ? قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال رسول الله ?: ((أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك)) فقلت: إني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت: يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، فوالله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله ? أحسن مما أبلاني الله تعالى.
والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله ? إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي.
والأسلوبان الأخيران -الغضب والإعراض- هي آخر الأساليب التي يلجأ إليها المعلم بعد نفاد ما بحوزته من أساليب.
الخاتمة
وبعد ما مضى ذكره من طرق تنشيط الطالب للحفظ والمراجعة، يمكن تلخيص نتائج البحث حسب الآتي:
من أهم وسائل التنشيط هو ربط الطالب بشخص النبي ? والاقتداء به، وغرس حبه ? في قلبه، لأن الدافع حينئذ يكون ذاتياً.
ومن وسائل التنشيط المدح الصادق المعتدل في وقته المناسب والمنافسة التي تحرك الطاقات الكامنة مع مراعاة ألا تؤدي إلى الشحناء.
وحين تكون المشاكل النازلة بالطالب هي سبب فتوره، فإن تنشيطه يكون بحل مشاكله تلك. ومن الوسائل: الاستجابة للميول، وتحقيق الرغبات بحدود.
وكذلك النظرة الواثقة للشباب، وتنمية الثقة بالنفس من خلال ثقته بالله وثقته بما يتعلم، وإبراز جوانب نجاحه، وقياس نجاحه بقدراته لا بقدرات غيره، وأخذه إلى مجالس الكبار.
ومن وسائل التنشيط:إثارة حماس الطالب، وبعث السرور والفرح في نفسه.
ومن وسائل التنشيط: القصة الهادفة المؤثرة، والترويح عن الطالب بمداعبته والسماح له باللعب بشروطه.
¥