فالجواب والله تعالى أعلم: ان رؤساء الضلال وقادته تحملوا وزرين:
أحدهما: وزر ضلالهم في انفسهم.
والثاني: وزر إضلال غيرهم, لأن من سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها, لا ينقص ذلك من اوزارهم شيئاً, وإنما أخذ بعمل غيره, لأنه هو الذي سنه وتسبب فيه, فعوقب عليه من هذه الجهة, لأنه من فِعْله, فصار غير مناف لقوله (ولا تزرُ وازرةٌ وِزر أخرى)
ويقول رحمه الله عند تفسيره لآية النحل (ما كنا نعمل من سوءٍ ... ) الآية.
فإن قيل: هذه الايات تدل على أن الكفار يكتمون يوم القيامة ما كانوا عليه من الكفروالمعاصي كقوله عنهم (واللهِ ربِّنا ما كنا مشركين) وقوله (ما كنا نعمل من سوء) ونحو ذلك مع أن الله صرح بانهم لا يكتمون حديثه في قوله (ولا يكتمون الله حديثا).
فالجواب: هو ما قدمنا من أنهم يقولون بألسنتهم (والله ربنا ما كنا مشركين) فيختم الله على افواههم وتتكلم أيديهم وارجلهم بما كانوا يكسبونو فالكتمُ باعتبار النطق بالجحود وبالألسنة, وعدم الكتم باعتبار شهادة أعضائهم عليهم والعلم عند الله تعالى ..
قال الشيخ رحمنا الله تعالى وإياه عند آية النحل (ومن ثمرات النخيل والعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسناً) ,بعد أن فسَّر السكَر بالخمر ..
فإن قيل: الآية واردة بصيغة الخبر, والأخبار لا يدخلها النسخ كما تقرر في الأصول؛؛
فالجواب: أن النسخ وارد على ما يفهم من الآية من إباحة الخمر والإباحة حكم شرعي كسائر الحكام قابل للنسخ, فليس النسخُ واردا على نفس الخمر, بل على الإباحة المفهومة من الخبر, كما حققه ابن العربي المالكي وغيره.
قال الشيخ رحمنا الله وإياه عند قوله تعالى (نسقيكم مما في بطونه) بعد تعرضه للمني وخلاف العلماء في طهارته, وذكره لأدلة الفريقين, وابتدأ رحمه الله بذكر أدلة القائلين بطهارته, ومن بين تلك الدلة القياسية, استدلال أولئك بإلحاق المني بالطين ..
يقول الشيخ:
الوجه الثاني من وجهي القياس المذكور: إلحاق المني بالطين بجامع أن كلا منهما مبتدء خلق البشر, كما قال تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين).
فإن قيل: هذاالقياس يلزمه طهارة العلقة ,وهي الدم الجامد ,لأنها أيضا مبتدأ خلق بشر, لقوله تعالى (ثم خلقنا النطفة علقة).
والدم نجس بلا خلاف؛؛
فالجواب: أن قياس الدم على الطين في الطهارة فاسد الاعتبار, لوجود النص بنجاسة الدم.
أما قياس المني على الطين فليس بفاسد الاعتبار لعدم وجود النص بنجاسة المني ..
(علماً ان الشيخ خلص في هذا المبحث بعد نقاشه للأدلة إلى طهارة المني ,وقال إن قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق, وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة) نصٌّ في محل النزاع.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[20 - 02 - 07, 05:57 م]ـ
قال الشيخ رحمنا الله وإياه في قول الله تعالى (ولا هم يستعتبون) ..
فإن قيل: ما وجه الجع بين نفي اعتذارهم المذكور هنا, وبين ما جاء في القرآن من اعتذارهم كقوله تعالى (والله ربنا ما كنا مشركين) وقوله (ما كنا نعمل من سوء) وقوله (بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً) ,ونحو ذلك من الايات ..
فالجواب: من أوجه:
منها: أنهم يعتذرون حتى إذا قيل لهم (اخسئوا فيها ولاتكلمون) انقطع نطقهم ولم يبق إلا الزفير والشهيق, كما قال تعالى (ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لاينطقون).
ومنها: أن نفي اعتذارهم, يراد به اعتذار فيه فائدة, أما الاعتذر الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم, يصدق عليه في لغة العرب أنه ليس بشيء, ولذاصرح تعالى بأن المنافقين بكمٌفي قوله تعالى (صمٌّ بكمٌ) ,مع قوله عنهم (وإن يقولوا تسمع لقولهم) أي: لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم, وقال عنهم أيضاً (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد).
فهذا الذي ذكره جل وعلا من فصاحتهم وحدة ألسنتهم, مع تصريحه بأنهم بكمٌ, يدل على ان الكلام الذي لا فائدة فيه كلا شيء كما هو واضح.
وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي:
وإن كلام المرءفي غير كنهه **** لكا النبل تهوي ليس فيها نصالها
(وقد بينا هذا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (
قال الشيخ رحمه الله تعالى عند قول الحق سبحانه (فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون) ...
فإن قيل: كيف كذبتهم آلهتهم ونفوا أنهم عبدوهم, مع أن الواقع خلاف ما قالوا, وانهم كانوا يعبدونهم في دار الدنيا من دون الله؟؟
¥