فالجواب: أن تكذيبهم لهم منصب على زعمهم أنهم آلهة, وأن عبادتهم حق, وأنها تقربهم إلى الله زلفى, ولا شك ان كل ذلك من أعظم الكذب وأشنع الافتراء, ولذلك هم صادقون فيما القوا إليهم من القول, ونطقوا فيه بأنهم كاذبون ..
ومراد الكفاربقولهم لربهم (هؤلا شركاؤنا) قيل: ليحمِّلوا شركائهم تبعة ذنبهم, وقيل: ليكونوا شركائهم في العذاب كما قال تعالى (ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار).
وقد نص تعالى على أنهم وما يعبدون من دون الله في النار جميعاً, في قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) الآية. وأخرج من ذلك الملائكة وعيسى وعزيراً بقوله (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) لأنهم ما عبدوهم برضاهم, بل لو اطاعوهم لأخلصوا العبادة لله وحده جل وعلا ..
قال الشيخ رحمه الله عليه:
فإن قيل: يكثر في القرآن الكريم إطلاق الوعظ على الأوامر والنواهي, كقوله هنا (يعظكم لعلكم تذكَّرون) مع أنه ما ذكر إلا الأمر والنهي في قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) إلى قوله (وينهى عن الفحشاء) ,وكقوله في سورة البقرة بعد أن ذكر أحكام الطلاق والرجعة (ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) وقوله في الطلاق في نحو ذلك أيضا (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) وقوله في النهي عن مثل قذف عائشة (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا) الآية ..
مع أن المعروف عند الناس أن الوعظ يكون بالترغيب والترهيب ونحو ذلك, لا بالأمر والنهي ..
فالجواب:
أن ضابط الوعظ: هو الكلام الذي تلين له القلوب, وأعظم ما تلين له قلوب العقلاء هو أوامر ربهم ونواهيه, فإنهم إذا سمعوا الأمر خافوا من سخط الله في عدم امتثاله, وطمعوا فيما عند الله من الثواب في امتثاله, وإذا سمعوا النهي خافوا من سخط الله في عدم اجتنابه, وطمعوا فيما عنده من الثواب في اجتنابه, فحداهم حادي الخوف والطمع إلى الامتثال, فلانت قلوبهم للطاعة خوفا وطمعاً ..
قال رحمنا الله وإياه:
فإن قيل: أثبت الله للشيطان سلطانا على أوليائه في آيات, كقوله هنا (إنما سلطانه على الذين يتولونه) الآية, وقوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغوين) , فالاستثناء يدل على أن له سلطانا على من اتبعه من الغاوين, مع انه نفى عنه السلطان عليهم في آيات أخر, كقوله (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين*وما كان له عليهم من سلطان).,وقوله تعالى حاكيا عنه مقررا (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) ..
فالجواب:
هو أن السلطان الذي أثبته له عليهم غيرُ السلطان الذي نفاه ,وذلك من وجهين:
1 - أن السلطان المثبت له هو سلطان إضلاله لهم بتزيينه, والسلطان المنفي هو سلطان الحجة, فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها, غير أنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان, وإطلاق السلطان على البرهان كثير في القرآن ..
2 - أن الله لم يجعل له عليهم سلطانا ابتداءا البتة, ولكنهم هم الذين سلطوه على أنفسهم بطاعته, ودخولهم في حزبه, فلم يتسلط عليهم بقوة, لأن الله يقول (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) ..
ذكر هذا الجواب بوجهيه العلامة ابن القيم رحمه الله, وقد بينا هذا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ..
قال الشيخ رحمنا الله وإياه:
وما زعمه بعض أهل العلم من ان النسخ وقع في القرآن بلا بدل وذلك في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) فإنه نسخ بقوله تعالى (ءأشفقتم أن تقدموا بين نجواكم صدقات) الآية, ولا بدل لهذا المنسوخ ..
فالجواب: أن له بدلاً, وهو ان وجوب تقديم الصدقة أمام المناجاة لما نسخ بقي استحباب الصدقة وندبها, بدلا من الوجوب المنسوخ كما هو ظاهر ..
قال رحمه الله تعالى:
اعلم أن في قوله جل وعلا (نأت بخير منها أو مثلها) إشكالا من جهتين:
الأولى: ان يقال إما أن يكون الأثقل خيرا من الأخف, لأنه أكثر أجراً, أو الأخف خيرا من الأثقل لأنه أسهل منه, وأقرب إلى القدرة على الامتثال, وكون الأثقل خيرا يقتضي منع نسخه بالأخف, كما أن كون الأخف خيرا يقتضي منع نسخه بالأثقل, لأن الله صرح بانه يأتي بما هو خير من المنسوخ أو مماثل له, لا ما هو دونه, وقد عرفت أن الواقع جواز نسخ كل منهما بالآخر ...
الجهة الثانية من جهتي الإشكال في قوله (أو مثلها) لأنه يقال:
¥