تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن القراءة لا يمكن أن تكون قراءة ما لم يتحقق فيها شرط صحة السند، أي صحة نسبتها إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالقراءة سنة متبعة، أي: ما قرأ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو ما قرئ بحضرته فأقره، فالقراءة إذن هي ما فعل الرسول وإقراره. ومن ثم جاءت مشروعية إعمال منهج المحدثين في توثيق القراءات القرآنية، وجاء حديثهم عن سند القراءات، ورجال القراءات.

أما ما يتعلق بدراسة المصطلحات التي يستعملها علماء القراءات القرآنية فإن الدراسة العلمية تقتضي اعتماد آلية الاستقراء، وذلك بتتبع المصطلح في كتاب معين وتحديد صيغه وسياقاته، وضبط معناه أو معانيه من خلال السياقات التي استعمل فيها، معتمدين نظرية " الحقول الدلالية " ونظرية " السياق". وبعد الانتهاء من هذه الدراسات التفصيلية التي تعتمد الاستقراء، يمكننا أن ننتهي إلى دراسة شاملة تمكننا من تحديد المعنى الاصطلاحي كما هو متداول عند أهل الجهة ـ الاختصاص ـ.

إننا في حاجة ماسة لمثل هذه الدراسات العلمية الرصينة التي تحدد المعنى الاصطلاحي للألفاظ المستعملة في كل حقل معرفي، مما يرفع اللبس، ويحقق التواصل العلمي بين أهل الاختصاص، ويؤسس لنهضة علمية راشدة.

إننا في حاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى توحيد جهود العلماء و الباحثين، والعمل في إطار فرق البحث، و الوسائل المعلوماتية اليوم تمكننا من تجميع هذه القدرات والخبرات في شكل عمل موحد، فقد انتهى زمن البحث الذي يقوم بها الأفراد، نتيجة التدافع الذي يعرفه عصرنا على كافة المستويات، فضلا عن التدفق الهائل للمعغلومات في شكل تيار جارف، وذلك بقصد فهم موروثنا الثقافي، وفهم آليات اشتغاله، لنتمكن من القيام بوظيفتي البلاغ و البيان، فهناك قطاع عريض من الأمة بله الأمم الأخرى في حاجة ماسة إلى من يبلغهم حقائق دينهم، أما البيان فالحاجة إليه أمس و أكبر. وذلك هو السبيل ـ في اعتقادي ـ إلى أن نبلغ و نبين أن القراءات القرآنية موثقة توثيقا لا يرقى إليه،الشك، وأن نقد بعض المحدثين لبعض القراء، هو من باب الصناعة الحديثية، وهو دليل على تحري الصدق و الأمانة العلمية، و القيام بواجب صيانة النص الشرعي من كل تحريف، فذلكم الإعجاز: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9). مع التنبيه على ضرورة احترام خصوصية كل حقل معرفي، فلا ينبغي إسقاط المقررات العلمية والمنهجية الحديثية جملة و تفصيلا على القراءات القرآنية، التي تحتكم إلى المقياس القرائي الثلاثي الأبعاد:

1 - صحة السند.

2 - موافقة الرسم العثماني ولو احتمالا.

3 - موافقة العربية و لو بوجه.

إنها محاولة فهم و إفهام، بلاغ و بيان، وانتصار لدين الله بإقامة الحجة و البرهان على تهافت دعاوى المبطلين، الذين يهرفون بما لا يعرفون، أكثر منها محاولة تجديد.

وهذا نصا لأحد العلماء المغاربة الفضلاء، إنه للشيخ سعيد أعراب ـ رحمه الله ـ حيث يقول: " إن من أركان القراءة الصحيحة صحة الإسناد، فعلى القارئ أن يعرف أحوال الرواة وطبقاتهم، و القراءة سنة متبعة، ونقل محض، وقد تقرر أن من شروط المقرئ أن يكون عاقلا، عدلا، ثقة، كامل الضبط، ولا يجوز له أن يقرأ إلا بما سمع ممن تتوفر فيه هذه الشروط، أو قرأ عليه وهو مصغ له، أو سمعه بقراءة غيره عليه. وتشدد المتأخرون فلم يجيزوا إلا القراءة على الشيخ، لأن المقصود كيفية الأداء، ولا تتحقق إلا بذلك، وليس كل من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء كهيئته.

أما الصحابة، فربما ساعدتهم فصاحتهم و سليقتهم على الأداء كما سمعوه من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولأن القرآن نزل بلغتهم.

والإسناد من خصائص هذه الأمة ... وقد تنافس الناس في الأسانيد العالية، وشدوا الرحال من أجلها، وحلوا فهارسهم وأثباتهم بها ". (القراء و القراءات بالمغرب: سعيد أعراب، ص 72، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1410 هـ / 1990 م.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير