ويقول الشوشاوي (ت 899 هـ) في كتابه " الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة ": " وأما بماذا ثبتت القراءة هل بالتواتر أم بالآحاد؟ فاعلم أنها إنما ثبتت بالتواتر في الحروف والحركات دون أحكام التلاوة من المد والقصر، والتفخيم والترقيق والتحقيق والتسهيل، والإظهار والادغام، والفتح والإمالة، وغير ذلك من أحكام القراءة. وإلى هذا أشار ابن الحاجب في الأصول بقوله: " مسألة القراءات السبع متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة، وتخفيف الهمز ونحوها، لأنها لو لم تكن لكان بعض القرآن غير متواتر كملك ومالك ونحوهما، وتخصيص أحدهما تحكم باطل لاستوائهما " مختصر أصول الفقه لابن الحاجب 2/ 21. " الفوائد للشوشاوي ص 244/ 245.
و أحب أن أبين أن ما أثاره بعض الإخوة الأفاضل عند نشري للموضوع على موقع تفسير كفكرة بسيطة عنت لي من خلال أسئلة و استشكالات تلقيتها من بعض طلبتي، حثني على المزيد من البحث والتنقيب في كتب تنتمي لمجالات علمية قد يظنها البعض بعيدة عن القراءات القرآنية، فإذا بي أجد بها قضايا مثارة منذ زمن بعيد من قبل الفقهاء المالكية، و نص عليها الونشريسي (ت 914 هـ) في كتابه الرائع: " المعيار المعرب و الجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب " تحقيق مجموعة من الفقهاء تحت إشراف أستاذنا الدكتور محمد حجي ـ رحمه الله ـ، نشر وزارة الأوقاف، المغرب. مما يؤكد ما أشرت إليه في أول عرض للموضوع من أن العلوم الإسلامية تشكل منظومة متكاملة لا يمكن فهم إحدى جزئياتها إلا في إطارها الشمولي، مما يحتم علينا كباحثين تجاوز النظرة التجزيئية، وأن تكون مقارباتنا العلمية ذات بعد شمولي تتمثل الإسلام باعتباره منظومة متكاملة.
و قبل أن أشرع في عرض ما نوهت به، أحب أن أبين أنسب الفضل لأهله الذين أثروا الموضوع بنقاشاتهم و فتحوا الباب أمام الباحثين لارتياد آفاق جديدة، وأخص بالذكر منهم السادة العلماء الأجلاء الأستاذ الدكتور أمين السنقيطي، و الأستاذ الدكتور أنمار، و الأستاذ الدكتور الجكني و الشيخ محمد يحيى شريف
و ليت الذين يبحثون عن مواضيع تصلح لإنجاز أبحاث الماجستير والدكتوراه، يتابعون مثل هذه المحاورات العلمية، فإنهم سيقعون على نفائس ودرر، تحتاج عينا بصيرة ترمقها، و عقلا كبيرا يستوعبها، و قلبا فياضا يحتضنها، ويدا قديرة تتعهدها.
وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه، و أن تكون هذه المناسبة فرصة لمزيد من التواصل و التعاون.
** تسير العلوم الإسلامية في خطين متوازيين:
1 - التوثيق.
2 - الفهم.
وما يهمنا هنا هو التوثيق مناهجه، قواعده و أصوله العامة، وطرقه الإجرائية التي اعتمدها العلماء في كل حقل معرفي من حقول المنظومة المعرفية الإسلامية. تجنبا لما يمكن الاصطلاح عليه بالإسقاط المنهجي، حيث اعتماد مناهج لا تراعي خصوصيات المجال أو الموضوع، مما يجعل الدراسة غير علمية، و تفتقد للمصداقية، فضلا عن أنها تنتهي إلى نتائج غير مرضية، و غير علمية، لأن ما أسس على باطل فهو باطل. وهذه المسألة لا ينتبه إليها كثير من الباحثين، حيث تجدهم حذرين من الوقوع في الإسقاط المعرفي، و لكنهم لا يرون بأسا في الإسقاط المنهجي، علما أن البحث العلمي يعتمد الرؤية و المنهج، فهما رجلاه اللتان يستوي عليهما قائما، و دعامتاه اللتان يبنى صرحه عليها. و من ثم وجب التنبيه إلى أن الإسقاط إسقاطان: معرفي و منهجي.
أ ـ البديهيات المعرفية و المنهجية: لا بد لنا من بيان البديهيات المعرفية و المنهجية بالنسبة للقراءات القرآنية في صلتها بعلوم الحديث من حيث التوثيق، و التي يمكن حصرها في ما يلي:
1 - للقراءات القرآنية صلة بعلوم الحديث.
2 - القراءة سنة متبعة.
أهمية السند بالنسبة للقراءات القرآنية.
3 - لا يمكن أن تكون القراءة قراءة ما لم تكن صحيحة السند.
4 - التواتر عند القراء ليس هو التواتر عينه عند المحدثين، باعتباره يعتمد المقياس القرائي:
أ ـ صحة السند.
ب ـ موافقة الرسم العثماني و لو احتمالا.
ج - موافقة اللغة العربية و لو بوجه.
¥