ومن بين المؤسسات التي أسهمت في نشر القراءات القرآنية في ربوع المغرب، بعض المدارس المختصة اشتهرت منها في العصور المتأخرة مدرسة دار زهيرو قرب طنجة ومدرسة سيدي الزوين قرب مراكش اللتين تخرج منهما الجم الغفير من القراء المتقنين للقراءات السبع والعشر.
لماذا اختار المغاربة رواية ورش؟
تعد رواية ورش إحدى الروايات التي تواتر بها النقل في بلاد المغرب جيلا بعد جيل، إذ كان لرواية ورش عند المغاربة مكانة و شأنا لم تقو على مزاحمتها فيه أيّ قراءة أخرى أو رواية، وذلك على الرغم من انفتاح البلاد على سائر القراءات والروايات.
وقد أضحت رواية ورش، بهذا المفهوم، شعارا للمدرسة القرآنية المغربية، والقطب الذي تستمد منه مختلف العلوم الأصلية والفرعية، والتلاوة الرسمية الوحيدة التي يستند إليها في التعليم والقراءة والدراسة وغير ذلك ...
فقد اختار المغاربة تلاوة كتاب الله تعالى برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق منذ دخولها إلى الأقطار المغربية على أيدي الرواد الأولين إلى يومنا هذا، كاختيارهم لمذهب الإمام مالك الفقهي، وكأن المغاربة باختيارهم هذا قد جمعوا بين أتباع عالم المدينة المنورة وفقيهها، ومقرئها وإمامها نافع، مقرئ المسجد النبوي.
وترجع بعض الدراسات أسباب اختيار المغاربة لقراءة ورش تسهيل الهمز الذي تتميز به قراءة نافع، عن غيرها من القراءات، فقد روي عن الإمام مالك أنه كان يكره القراءة بالنبر (أي بتحقيق الهمز)، باعتبار ما جاء في السيرة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لغته الهمز (أي لم يكن يظهر الهمز في الكلمات المهموزة مثل: مومن، ياجوج وماجوج، الذيب ... (4)
وقد شهد إمام دار الهجرة مالك بن أنس لإمامين من أئمة القراء بالمدينة المنورة في عهده بالقراءات وزكاهما وهما الإمام نافع والإمام أبو جعفر. وقد قال مالك عن قراءة نافع: "قراءة أهل المدينة سنة، قيل له: قراءة نافع؟ قال نعم" (5). وحينما سئل عن حكم الجهر بالبسملة أثناء الصلاة قال: "سلوا نافعا فكل علم يسأل عنه أهله، ونافع إمام الناس في القراءة" (6) فصارت رواية ورش تبعا للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وطريقة الجنيد في التصوف رمز وحدة المغرب المذهبية، وثوابت الأمة المغربية.
الهوامش:
(1) - أبو عمر عبد الله بن عامر اليحصبي، تابعي، كان قاضيا بدمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك، توفي سنة 118 بدمشق.
(2) - بغية الوعاة، ص 371، طبقات النحويين للزبيدي، ص 276 - 278، جذوة المقتبس، 305.
(3) - غاية النهاية في طبقات القراء، ج2/ 2
(4) - انظر: تفسير التحرير والتنوير 1/ 62
(5) - أنظر كتاب: احسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر، لمحمود خليل الحصيري، ص 12.المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهية، 1386هـ.
(6) - لطائف الإشارات لفنون القراءات، شهاب الدين القسطلاني المصري، ج1/ 94، تحقيق وتعليق عامر السيد، وعبد الصبور شاهين، لجنة إحياء التراث الإسلامي، مطابع الأهرام، 1392هـ
----- منقول
ـ[بن طاهر]ــــــــ[08 - 03 - 07, 08:44 م]ـ
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته
...
----- منقول
جزاك الله خيرًا على ما نقلتَ، وليتك تذكر المصدر - بارك الله فيك ونفع بك.
ـ[محمدالمرنيسي]ــــــــ[17 - 08 - 07, 07:50 م]ـ
بقي إشكال آخر:
يعتمد المغاربة رواية ورش عن نافع، واعتمدوا العد الكوفي بدلا من العد المدني، فكيف تم ذلك؟
ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[17 - 08 - 07, 08:35 م]ـ
من أراد الاستيفاء في الموضوع فليراجع كتاب الدكتور عبد الهادي حميتو حفظه الله: " قراءة الامام نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش "ففيها ما يروى به الغليل ويشفى به العليل ان شاء الله.
وهو مطبوع متداول بحمد الله في 7 مجلدات، وقد طبعته وزارة الأوقاف المغربية.
ـ[لطفي مصطفى الحسيني]ــــــــ[22 - 09 - 10, 02:59 م]ـ
هل المقصود من كلامك أن القراءة التي اشتهرت في بلاد المغرب يرجع الفضل في انتشارها الى المذهب المالكي؟؟؟
لعل الأنسب أن يقال أن القراءة انتشرت في المغرب للأسباب نفسها التي انتشر بها المذهب المالكي، لا أن الفضل يعود إليه إلى جانب اتباع الإمام مالك لها، فهم كما اتبعوه في الاختيارات الفقهية كذلك فعلوا في القراءة ولا يخفى عليك حب أهل المغرب له وإجلالهم إياه عليه رحمة الله والله أعلم.
ـ[لطفي مصطفى الحسيني]ــــــــ[22 - 09 - 10, 03:05 م]ـ
يعتمد المغاربة رواية ورش عن نافع، واعتمدوا العد الكوفي بدلا من العد المدني، فكيف تم ذلك؟
هل هذا عند المتأخرين أم حتى عند المتقدمين؟
ـ[عبد الرحمن الطويل]ــــــــ[25 - 09 - 10, 01:36 ص]ـ
سمعت الدكتور أحمد المعصراوي يقول ما ملخصه: إن رواية ورش كانت هي السائدة في مصر حتى العصر العثماني، و إن القراءة في مصر لم تتحول إلى رواية حفص إلا بعد طبع المصحف في المطابع العثمانية بهذه الرواية. انتهى
و لم أبحث المسألة، لكني وجدت ـ مثلاً ـ في تفسير ابن كثير رحمه الله في سورة الرعد يقول: (([و سيعلم الكافر] و القراءة الأخرى الكفار)).
الأمر الذي يوحي بأن القراءة المدنية كانت هي السائدة في مصر و الشام حتى طُبعت المصاحف العثمانية برواية حفص فتحولوا إليها ليوافقوا المصاحف.
و عليه فليس اختيار المغاربة لرواية ورش انفراداً منهم بذلك.
¥