أما الموصول: فقد جاء على وجوه متعددة: إما تكرار كلمات في سياق الآية، مثل قوله تعالى (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ) المؤمنون/36، وإما في آخر الآية وأول التي بعدها، مثل قوله تعالى (وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا. قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً) الإنسان/15، 16، وإما في أواخرها، مثل قوله تعالى (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً) الفجر/21، وإما تكرر الآية بعد الآية مباشرة، مثل قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) الشرح/5، 6.
وأما المفصول: فيأتي على صورتين: إما تكرار في السورة نفسها، وإما تكرار في القرآن كله.
مثال التكرار في السورة نفسها: تكرر قوله تعالى (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) في سورة " الشعراء " 8 مرات، وتكرر قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ) في سورة " المرسلات " 10 مرات، وتكرر قوله تعالى (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) في سورة " الرحمن " 31 مرة.
ومثال التكرار في القرآن كله: تكرر قوله تعالى (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) 6 مرات: في " يونس " (48) و "الأنبياء" (38) و " النمل " (71) و "سبأ" (29) و " يس " (48) و " الملك " (25)، وتكرر قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) مرتين: في " التوبة " (73) و " التحريم " (9).
والثاني: التكرار في المعنى دون اللفظ.
وذلك مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم، وذِكر الجنة ونعيمها، والنار وجحيمها.
رابعاً: فوائد التكرار
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وليس في القرآن تكرار محض، بل لابد من فوائد في كل خطاب.
" مجموع الفتاوى " (14/ 408).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في التعليق على تكرار قصة موسى مع قومه -:
وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن، يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعاً غير النوع الآخر، كما يسمَّى اللهُ ورسولُه وكتابُه بأسماء متعددة، كل اسم يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر، وليس في هذا تكرار، بل فيه تنويع الآيات مثل أسماء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قيل: محمد، وأحمد، والحاشر، والعاقب، والمقفى، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، في كل اسم دلالة على معنى ليس في الاسم الآخر، وإن كانت الذات واحدة فالصفات متنوعة.
وكذلك القرآن إذا قيل فيه: قرآن، وفرقان، وبيان، وهدى، وبصائر، وشفاء، ونور، ورحمة، وروح: فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الآخر.
وكذلك أسماء الرب تعالى إذا قيل: الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور: فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الذي في الاسم الآخر، فالذات واحدة، والصفات متعددة، فهذا في الأسماء المفردة.
وكذلك في الجمل التامة، يعبَّر عن القصة بجُمَل تدل على معانٍ فيها، ثم يعبر عنها بجُمَل أخرى تدل على معانٍ أُخَر، وإن كانت القصة المذكورة ذاتها واحدة فصفاتها متعددة، ففي كل جملة من الجُمَل معنًى ليس في الجُمَل الأُخَر.
" مجموع الفتاوى " (19/ 167، 168).
وقال السيوطي – رحمه الله -:
وله – أي: التكرار - فوائد:
منها: التقرير، وقد قيل " الكلام إذا تكرَّر تقرَّر "، وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله (وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا).
ومنها: التأكيد.
ومنها: زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول، ومنه (وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ. يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ)، فإنه كرر فيه النداء لذلك.
¥