إن تطويرنا لأساليب التدريس الجامعي، باعتماد التقنيات الحديثة كوسائل تعليمية فعالة، تمكننا من إيصال المعلومات إلى الطلبة بشكل تفاعلي، بدل الاقتصار على أسلوب التلقين والإملاء، مما يجعل من الطلب متلقيا سلبيا، و اعتبار الأستاذ مصدر المعرفة والعلم، بدل أن يكون مصاحبا وموجها ومرشدا، متصفا بالكفاءة العلمية، والنزاهة والأمانة، حريصا على تحقيق مصلحة الطالب باعتباره مستقبل الأمة وأملها. واعتبار مهمة الأستاذ الجامعي أمانة ومسؤولية، لا وظيفة يتلقى نظير القيام بها أجرا. فكم من الأساتذة ـ للأسف الشديد ـ مضيعون للأمانة، متخاذلون في القيام بمسؤولياتهم التربوية والعلمية. فلا تجد ـ إلا من رحم الله ـ من يكد ويتعب، ويجد ويجتهد في تحضير محاضراته ودروسه، والابتكار والإبداع في طرق التدريس وأساليبه. ويتعين على القائمين على الجامعات تحفيز الأساتذة المجدين وتشجيعهم، والضرب على أيدي المتخاذلين والمضيعين للأمانة، والقدوات السيئة.
بعد الوفاء بما ذكرناه يمكننا الحديث عن البرامج التعليمية ذات الطابع المتكامل والشامل والمنسجم داخليا، بحيث تكون المواد المقررة غير متعارضة، وتشكل بناء معرفيا وتربويا متكاملا وفعالا. ومنسجمة خارجيا باستجابتها لحاجيات الطلبة، وملبية لرغباتهم، و مشجعة لهم لمتابعة التحصيل العلمي، و محققة للأهداف المتوخاة.
كما أنه يتعين البدء في التفكير في كل تخصص دقيق لوضع برامجه التعليمية بشكل متكامل ومنسجم، لننتقل بعد ذلك إلى وضع مقرر كل مادة بناء على المستوى الجامعي الخاص.
إن صناعة المناهج التدريسية تحتاج ـ في اعتقادي ـ إلى مثل هذه المواجهة العلمية الصارمة، وإلا فإننا لن نفلح في صيانة تعليمنا العالي من التدهور الذي يشهده، وتدني المستوى الذي يعرفه، بله الوصول إلى تحقيق جودة التعليم، وتخريخ علماء وباحثين أكفاء، يستجيبون لحاجيات مجتمعاتهم، بل لهم القدرة على خلق الحاجة.
إننا نتحمل مسؤولية نتاج الوقائع التي نساهم في إنتاجها بشكل أو بآخر. إنه موقف نقدي من الذات، قبل أن يكون مشروع أجيال و أمة.
و الآن نتساءل عن الهدف المتوخى من تدريس مادة التفسير ـ بعد أن نوافيكم بالهندسة البيداغوجية لمسلك الدراسات الإسلامية، والمقررات التي وضعها السادة الأساتذة لمادة علوم القرآن، التي ستجدونها ضمن المرفقات ـ و الذي يمكن أن يكون أحد هذه الأهداف الثلاث، أو اثنين منها أو كلها جميعا:
1 - معرفة المعاني التي انتهى إليها المفسرون " نقل المعرفة ".
2 - امتلاك الطالب القدرة على التفسير، أي تأهيله لكي يكون مفسرا " إنتاج المعرفة ".
3 - امتلاك الطالب القدرة على البحث في التفسير وقضاياه " البحث عن المعرفة أو البحث في المعرفة، أم هما معا ".
في تصوري الخاص إن الهدف الذي يمكننا كأساتذة الباحثين العمل على تحقيقه هو تخريج طلبة ناقلين للمعرفة المحصلة من علوم القرآن، وتفاسير القرآن الكريم، ومؤهلين للقيام بمهام البحث في التفسير وقضاياه وذلك كهدف للتكوين العام. أما أهداف التكوين الخاص الموجهة لصفوة الطلبة ونخبتهم فإنه يتجاوز هذا الهدف إلى القدرة على التفسير، أي تأهيله للاستجابة لحاجيات المجتمع، بإيجاد مفسرين قادرين على الإجابة على أسئلة العصر، وحل أزماته، انطلاقا من القرآن الكريم، أي قادرون على تنزيل النص القرآني على الواقع، بغية تعبيد الحياة كل الحياة لله رب العالمين، مما يجعل من التفسير مشروعا حضاريا.
وبناء على ما سبق فإنني أقترح أن تعتمد مادة التفسير المحاور التالية:
1 - تفسير آيات العقيدة.
2 - تفسير آيات الأحكام.
3 - تفسير الآيات المتضمنة للقصص القرآني.
4 - تفسير آيات الأخلاق والسلوك.
وذلك حتى يمتلك الطالب تصورا متكاملا عن التفسير ومجالاته، وطرق المفسرين في تفسير كل محور من المحاور القرآنية السابقة التي تعتبر الموضوعات الكبرى للقرآن الكريم، مع الوقوف على خصوصياته اللغوية والأسلوبية والتشريعية، ومعرفة طرق الاستدلال والإقناع التي اعتمدها القرآن الكريم في المواقف المختلفة. كما يتمكن الطالب من معرفة عوامل استخراج المعنى من الخطاب القرآني، وكيف يعمل المفسر على مقاربة النص القرآني بما يلائمه من أدوات معرفية ومنهجية.
ويتعين على الأستاذ التخطيط لموضوع محاضرته وإعدادها إعدادا مسبقا وكافيا، مع تنويع مصادره التفسيرية واستخدام أفضل طرق التدريس، والعمل على إشراك الطالب. مع تخصيص حصص للدروس التوجيهية والتطبيقية حيث تختار نصوص قرآنية تتم دراستها بناء على المحاور التالية: أ ـ مدخل عام يتناول فيه الأستاذ:
1 - الفضائل.
2 - أسباب النزول وملابسات النزول.
3 - الناسخ والمنسوخ.
4 - المحكم والمتشابه.
5 - القراءات القرآنية.
ب ـ المحور اللغوي:
1 - المعجم.
2 - الصرف و الاشتقاق.
3 - النحو.
4 - الدلالة.
5 - البلاغة.
ج ـ مصادر التفسير:
1 - تفسير القرآن بالقرآن.
2 - تفسير القرآن بالسنة.
3 - تفسير القرآن بقول الصحابي.
4 - تفسير القرآن بقول التابعي.
5 - تفسير القرآن بقول تابع التابعي.
د ـ أسباب الاختلاف في التفسير.
هـ ـ قواعد الترجيح.
و ـ الثابت و المتطور في التفسير.
اختيار نصوص تفسيرية من تفاسير مختلفة ودراسته على ثلاث مستويات:
1 - الدراسة الوصفية.
2 - الدراسة التحليلية.
3 - الدراسة المقارنة. (تجدر الإشارة إلى أننا عالجنا هذه القضية في موضوع نشر بعنوان القراءة العلمية للتفاسير تجدونها على الرابط التالي: http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=6497 ).
وفي الختام أحب أن أشير إلى أن درس التفسير يأخذ الأبعاد التالية:
1 - علوم القرآن.
2 - أصول التفسير.
3 - دراسة نصوص قرآنية (التفسير).
4 - دراسة التفاسير (مناهج المفسرين.
وتفضلوا بقبول خالص التحيات والتقدير.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.