وقد أوصى نبينا عليه الصلاة والسلام – كما في مستدرك الحاكم وعمل اليوم والليلة لابن السني بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة ما يمنعك أن تقولي ما أوصيتك به، تقولين إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين] فهذا توسل إلى الله بحياته وقيوميته.
فحافظوا عليه صباحاً ومساءً، فإنه هدية من نبينا عليه الصلاة و السلام لبِضْعَتِه فلتأخذ به أنت وهذان الاسمان هما أصل لسائر صفاته، فكل صفة لله أصلها الحي أو القيوم.
فالصفات الذاتية بأسرها لا يثبت شيء منها لله إلا بعد ثبوت الحياة له جل وعلا، والصفات الفعلية بأسرها من الخلق والرزق والإحياء والإماتة والإعزاز والإذلال وما شاكلها لا تثبت لله إلا إذا ثبتت القيومية له.
فهو حي حياة كاملة فلا تأخذه سنة ولا نوم، ومن باب أولى لا يطرأ عليه فناء ولا يموت سبحانه وتعالى، وهو قيوم قائم بنفسه مقيم لشؤون غيره يدبر أمور عباده (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت).
وقد ورد في سنن ابن ماجه بسند حسن – وهو في غيره أيضاً – عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [الاسم الأعظم في ثلاث سور] قال القاسم بن عبد الرحمن، راوي الحديث،وهو من أئمة التابعين – فطلبته فوجدته في سورة البقرة وآل عمران وطه.
فهي في سورة البقرة في آية الكرسي آية (255)
في سورة آل عمران الآية الثانية: (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم)
وفي سورة طه الآية (111): (وعنت الوجوه للحي القيوم)
وما ذكر الله اسمي الحي القيوم مقترنين إلا في هذه السور الثلاث، فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث [اسم الله الأعظم في ثلاث سور] قرينة – كما قال أئمتنا – على أن هذين الاسمين هما اسم الله الأعظم لكن مع هذا نقول اختلف أئمتنا لقرائن هل هو هذا، أم يا ذا الجلال والإكرام؟ أم لفظ الله؟ وقيل غير ذلك، وكل فريق أورد أدلة له، لكن هذا – الحي القيوم – فيما يظهر أظهرها؛ لأن له ميزة على سائر أسماء الله سبحانه وتعالى، فإنهما كما قلنا أصلان لسائر أسماء وصفات الله سبحانه وتعالى فلا يستبعد أن يكونا هما اسم الله الأعظم، سبحانه وتعالى لاسيما مع قرينة [في ثلاث سور].
ومبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في الالتجاء إلى الله عندما يهمه أمر بـ (يا حي يا قيوم) فهذا مما يدل على أن لهذا منزلة، وكذلك تعليمه لابنته فاطمة أن تلجأ إلى الله في الصباح والمساء بـ (يا حي يا قيوم) والعلم عند الله.
يقول الإمام ابن تيمية – كما نقل عنه هذا تلميذه ابن القيم في مدارج السالكين: "لهذين الاسمين المباركين الأثر في حياة القلب ما ليس لغيرهما" ويقول "ومن تجريبات السالكين أن من واظب عليه قبل صلاة الفجر أحيا الله قلبه".
أي أن من تجريبات السالكين أنهم كانوا يلهجون بهذين الاسمين قبل صلاة الفجر فيحيي الله جل وعلا قلوبهم ويجعلها منشرحة منورة مطمئنة.
س: هل ثبت أن الاسم الأعظم من الغيب الذي لا يعلمه إلا الولي الصالح أو أنه استنتاج حيث أنه لم يصرح به الرسول صلى الله عليه وسلم؟
جـ- لم يثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ونقول: هو استنتاج من أحاديثه ويَتَوَصَّلُ إلى معرفته أصحابُ العقول السليمة الواعية بالنظر في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم – أحياناً – يشير إلى شيء ممكن أن يصل الإنسان إليه عن طريق النظر والتفكير فيما أشار إليه، كما في تعيين ليلة القدر فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحددها ولكن أشار في أحاديثه إلى أشياء يمكن التوصل عن طريقها إلى معرفة الليلة.
إذن فالتحفة الثالثة خواتيم سورة البقرة، وقد ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي عن ابن عباس الله رضي الله عنهما: [أن جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه كان جالساً مع النبي ففتح باباً من السماء فسطع نورٌ ونزل ملك منه فقال جبريل: هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا محمد، أبشر بنورين قد أوتيتهما فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته].
وقد يقول قائل: هل نزل هذا الملك بفاتحة الكتاب وبالآيتين من آخر سورة البقرة؟
¥