قيل لهم: أو ليس قد علمتموه لا مماسًّا لكم ولا مباينًا، وهو موصوف بالتدبير والفعل، ولم يجب عندكم إذْ كنتم لم تعلموا موصوفًا بالتدبير والفعل غيره إلا مماسًّا لكم أو مباينًا، أن يكون مستحيلا العلم به، وهو موصوف بالتدبير والفعل، لا مماس ولا مباين؟
فإن قالوا: ذلك كذلك.
قيل لهم: فما تنكرون أن تكون الأبصار كذلك لا ترى إلا ما باينها وكانت بينه وبينها فرجة، قد تراه وهو غير مباين لها ولا فرجة بينها وبينه ولا فضاء، كما لا تعلم القلوب موصوفًا بالتدبير إلا مماسًّا لها أو مباينًا، وقد علمتْه عندكم لا كذلك؟ وهل بينكم وبين من أنكر أن يكون موصوفًا بالتدبير والفعل معلومًا، لا مماسًّا للعالم به أو مباينًا= وأجاز أن يكون موصوفًا برؤية الأبصار، لا مماسًّا لها ولا مباينًا، فرق؟
ثم يسألون الفرقَ بين ذلك، فلن يقولوا في شيء من ذلك قولا إلا ألزموا في الآخر مثله.
وكذلك يسألون فيما اعتلوا به في ذلك: أن من شأن الأبصار إدراك الألوان، كما أن من شأن الأسماع إدراك الأصوات، ومن شأن المتنسِّم درَك الأعراف، فمن الوجه الذي فسد أن يُقضى للسمع بغير درك الأصوات، فسد أن يُقضى للأبصار لغير درك الألوان. (2) فيقال لهم: ألستم لم تعلموا فيما شاهدتم وعاينتم، موصوفًا بالتدبير والفعل إلا ذا لونٍ، وقد علمتموه موصوفًا بالتدبير لا ذا لونٍ؟
فإن قالوا:"نعم"= لا يجدون من الإقرار بذلك بدًّا، إلا أن يكذبوا فيزعموا أنهم قد رأوا وعاينوا موصوفًا بالتدبير والفعل غير ذي لون، فيكلفون بيان ذلك، ولا سبيل إليه. (1)
فيقال لهم: فإذ كان ذلك كذلك، فما أنكرتم أن تكون الأبصار فيما شاهدتم وعاينتم لم تجدوها تدرك إلا الألوان، كما لم تجدوا أنفسكم تعلم موصوفًا بالتدبير إلا ذا لون، وقد وجدتموها علمته موصوفًا بالتدبير غير ذي لون. ثم يسألون الفرق بين ذلك، فلن يقولوا في أحدهما شيئًا إلا ألزموا في الآخر مثله.
ولأهل هذه المقالة مسائل فيها تلبيس، كرهنا ذكرها وإطالة الكتاب بها وبالجواب عنها، إذ لم يكن قصدنا في كتابنا هذا قصدَ الكشف عن تمويهاتهم، بل قصدنا فيه البيان عن تأويل آي الفرقان. ولكنا ذكرنا القدرَ الذي ذكرنا، ليعلم الناظرُ في كتابنا هذا أنهم لا يرجعون من قولهم إلا إلى ما لبَّس عليهم الشيطان، مما يسهل على أهل الحق البيانُ عن فساده، وأنهم لا يرجعون في قولهم إلى آية من التنزيل محكمة، ولا رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة ولا سقيمة، فهم في الظلمات يخبطون، وفي العمياء يتردّدون، نعوذ بالله من الحيرة والضلالة.
ـ[أبو زياد المرواني]ــــــــ[13 - 07 - 08, 02:08 ص]ـ
بارك الله فيك وجزاك الله خير
لكن السؤال بماذا رد السلف على قول مجاهد بن جبر لاسيما وهو من كبار المفسرين
ـ[رأفت المصري]ــــــــ[14 - 07 - 08, 04:11 ص]ـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإننا لا نحسب أن مجاهدا رحمه الله تعالى كان ينكر الرؤية كما هو مذهب المعتزلة، أبدا لم يكن كذلك بحال، وإنما كان يرى تأويل الآية المذكورة على ما أشرت حفظك الله تعالى.
وليست الآية المذكورة هي الدليل الوحيد على الرؤية في الآخرة، بل الأدلة كثيرة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمقصود أن ذهاب مجاهد رحمه الله إلى ما ذهب إليه في تفسير الآية لا يعني إنكاره للرؤية، وذلك للأدلة الكثيرة القاطعة بوجوب اعتقاد رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.
وعليه فإنه لا حاجة ملحة للرد على المنقول عنه رضي الله عنه في تفسير الآية بالذات لما أنها ليست الدليل الوحيد على مذهب أهل السنة.
إلا أننا نستطيع أن نقول:
إن هذا القول مخالف لما عليه أئمة التفسير من السلف والخلف، ومخالف لظاهر الآية والمتبادر منها.
كما أن رسم المصحف - الممثل لرأي الصحابة على الصحيح - مخالف - بادي الرأي - لما ذهب إليه رحمه الله، فإن (إلى) لو كانت مفرد آلاء كما ذكر، لكانت ألفها ممدودة وليست مقصورة!!
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن (ناظرة) اسم فاعل من الفعل (نظر)، ولو كان الفعل (انتظر) لكان اسم الفاعل منه (منتظرة).
هذا ما جال بالخاطر دون التحقيق والتمحيص، فإن كان ثمة ما يُصوّب به فأنا منتظره على الرحب والسعة.
والله أعلم بمراده من كلامه وهو الهادي إلى سواء السبيل.
ـ[أبو زياد المرواني]ــــــــ[14 - 07 - 08, 09:57 ص]ـ
أخي رأفت الله يجزاك خير على الاضافة
وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا محمد صلى الله عليه وسلم