[إنها فتنة وأنها نعيم]
ـ[مدحت ابن محمد إبراهيم]ــــــــ[16 - 06 - 08, 09:18 م]ـ
[إنها فتنة وأنها نعيم]
يقول الله عزوجل في سورة الصافات:
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزفُونَ (47)} 0
نعم والله إنها فتنة وأي فتنة ولكن في الدنيا، وإنها والله لمحض النعيم وأي نعيم ولكن في الآخرة 0
إنها الخمرأعاذنا الله منها في الدنيا وسقانا منها غير ممزوجة في الآخرة قال تعالى {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)} سورة المطففين جعلني الله وإياكم من المقربين الذين يشربونها صافية غير ممزوجة 0
قال ابن مسعود وابن عباس: هو خالص للمقربين يشربونه صرفاً ويمزج لسائر أهل الجنة 0
ولله در ابن القيم إذ يقول من صفا صفي له ومن كدر كدر عليه 0
و الخمر هو كل ما أسكر سواء كان عصيراً أو نقيعاً من العنب أو من غيره مطبوخاً أو غير مطبوخ، وهذا بالطبع خمر الدنيا لا خمر الآخرة فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل شراب أسكر فهو حرام 0
وروى مسلم وأحمد وأبو داود عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل مسكر خمر. وكل خمر حرام " ورواه مسلم أيضا بلفظ آخر «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ».
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة 0
وروى البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أما بعد. أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير. والخمر ما خامر العقل "
ويستوي في ذلك القليل والكثير فالكل محرم وذلك لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيره فقليله حرام. ورواه النسائي من حديث عبد الله ابن عمرو، وورد الحديث عن نحو ثمانية من الصحابة بأسانيد ثابتة قد أوردها الزيلعي في "نصب الراية "
وقال العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى حسن صحيح
ومن بديع حكمة الله عز وجل التدرج في تحريم الخمر قال تعالى {الله لطيف بعباده} فكان مباحا في أول الإسلام لا حرج على من شربه وقد ذهب جمهور العلماء على أن المراد بالسَكَر في قوله تعالى:
{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)} أنه الخمر وذلك أن العرب تطلق اسم السكر على ما يحصل به السكر، من إطلاق المصدر وإرادة الاسم.
وقال الزمخشري في الكشاف: والسكر الخمر.
وممن قال: بأن السكر في الآية الخمر: ابن عباس، و ابن مسعود، وابن عمر، وأبو رزين، والحسن، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وابن أبي ليلى، والكبي، وابن جبير، وأبو ثور، وغيرهم. وقيل: السكر: الخل. وقيل: العصير الحلو.
وإذا عرفت أن الصحيح هو مذهب الجمهور، وأن الله امتن على هذه الأمة بالخمر قبل تحريمها فاعلم أن هذه الآية مكية، نزلت بعدها آيات مدنية بينت - التدرج في - تحريم الخمر، وهي ثلاث آيات نزلت بعد هذه الآية الدالة على إباحة الخمر.
الأولى - آية البقرة التي ذكر فيها بعض معائبها ومفاسدها، ولم يجزم فيها بالتحريم، وهي قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219] وبعد نزولها تركها قوم للإثم الذي فيها، وشربها آخرون للمنافع التي فيها.
¥