تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[لم يجب أن تكون في السورة القرآنية وحدة موضوعية؟ -تأصيل-]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[05 - 06 - 08, 09:15 م]ـ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ..

لم يجب أن تكون في السورة القرآنية وحدة موضوعية؟

ليس غرضنا هنا هو إثبات أو نفي وجود الوحدة الموضوعية في سور القرآن وإنما مناقشة المبدأ نفسه .. فقد لاحظنا أن كثيرا من الباحثين الذين اشتغلوا بالكشف عن الوحدة الموضوعية في سور القرآن تصرفوا وكأن هذا المبدأ من المسلمات أو مما" يجب" أن يكون في سورة القرآن ... !! ولم يقدموا أدلة على هذا "الوجوب" أو مسوغات ترجح كفة الوحدة على التعدد ..

نريد أولا أن نؤصل هذه المسألة بوضعها في مجالها الخاص من فقه العلم:

-فلا مرية في أنها منتسبة إلى ما يسمى ب"مباحث القيم" (أو الأكسيولوجيا في مصطلحهم)، و صلتها –تحديدا- بمباحث قيمة الجمال (أو الإستيطيقا في مصطلحهم)

-ولا مرية في أن علم الجمال ليس مصنفا ضمن العلوم الدقيقة مثل الهندسة والفزياء بل هو أضعف بكثير من صنوه علم المنطق (أقول صنوه باعتبارهما –فقط- يتعلقان معا بالقيم:قيمة الحق بالنسبة للمنطق وقيمة الجمال بالنسبة للإستيطيقا) لأن حظ المعقولات من الضبط، والموضوعية،والثبات، أعظم بكثير من حظ المذوقات .. ورصد "الحق"أسهل بكثير من رصد"الجمال" لأن الأول مفهوم والثاني مشعور به .. وعالم الشعور محكوم مطلقا بموازين الذاتية والنسبية .. فما هو جميل عند فرد ليس بالضرورة جميلا عند أخيه .. ويقف الأمر عند هذا الاختلاف فلا يحتمل الموقف برهنة أو استدلالا، إذ من المضحك حقا أن تقول لصاحبك سوف" أقنعك" بأن هذا جميل! وقد قيل قديما-عن حق أيضا-"إن الألوان والأذواق لا تناقش"

-القول إن الوحدة الموضوعية في النص من شروط الجمال اعتبار ذوقي فقط فليس هناك من أساس منطقي أو موضوعي من شأنه أن يكون سندا لهذا القول، فهو بهذا الاعتبار لا ميزة له عن قول الخصم: إن التعدد الموضوعي في النص من شروط الجمال .. ولوحاولا المناظرة لما كانت المناظرة شيئا أكثر من سفسطة (أو سفسفة) شبيهة بكثير من المناظرات التي كان الجاحظ-غفر الله له- شغوفا بها من قبيل مناظرة السمراء والبيضاء والجارية والغلام ..

فللمنتصر للتعدد أن يقول- ردا على ما قد تكون حجج خصمه المفرد-إن النفس تهوى التفنن، وتضيق باللون الواحد،والمشهد الواحد ذريعة للملل والسآمة، وتجد النفس نشاطا عند الانتقال من منظر إلى آخر ويتجدد نشاطها عندما تنتقل من موضوع إلى آخر .. ولهذا طاب السمر عند الناس وفضلهم بعضهم على كثير من نعم الدنيا .. وما ذاك إلا لأن السمر مجاذبة لأطراف الحديث ولا يكون للحديث أطراف إلا وهو متنوع .. الى غير ذلك من هذا النمط الجاحظي!!

باختصار لن يعدم "حججا" ... فإن لم يتفوق على خصمه فهما سواء على الأقل ... وعلى أكبر تقدير سيفترقان على مقولة"وللناس في ما يعشقون مذاهب"!

-لقد رسخ نقاد الأدب عندنا قيمة الوحدة الموضوعية في أذهان الناس منذ قرن مضى فزعموا أن القصيدة لا تنال حقها من الكمال حتى يتحد موضوعها وأن تعدد المواضيع فيها من خوارم الجمال والذوق الرفيع .. وسرعان ما أصبح المبدأ معيارا في النقد عند طائفة من النقاد المتأثرين بالثقافة الغربية ومدراس الأدب فيها -خاصة المدرسة الرومانطيقية -التي أشاعت في الآفاق أن القصيدة وحدة عضوية يجب أن تكون كالإنسان كيانا واحدا بشخصية واحدة .. ومضى عباس العقاد وشركاؤه في تنفيذ المرسوم فحصل ما لا بد من حصوله:إسقاط المبدأ على الشعر العربي الموروث-وهذا أهون- ثم إسقاطه على القرآن الكريم-وهذا أقبح- .. وفي الحالتين معا كان التوهم هو سيد الموقف ..

فقد زعموا أن الشعر العربي –والجاهلي خاصة-قد نُسج على منوال الوحدة الموضوعية وأوجدوا -على رغم أنف النابغة - علاقة بين الطللية

ووصف الناقة ومدح النعمان فتوهموا سببية مفتعلة بين بكاء الدار ووصف الرحلة ومدح الرجل ... وعندما تفر منهم المناسبة يلجأون إلى تعديل الوحدة الموضوعية وتنقيحها فيرون أن لها وجها آخر هو الوحدة النفسية .. فزعموا أن عينية الهذلي في رثاء أبنائه تتناسب فيها المقدمة الطردية مع غرض الرثاء كيف لا والموت هو الجامع:موت المها وموت فلذات الكبد .. !!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير