تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و الشاهد الثالث هو أن ابن خلدون بالغ في مدح المأمون في دينه و سلوكه، و نسي الأخطاء و الجرائم التي ارتكبها في حق الرعية، فقد ذهبت طائفة منهم ضحية سياسته الخرقاء، عندما فرض على الناس القول بخلق القرآن بالقوة، و من عارضه و لم يستجب له عاقبه، فامتحن العلماء، و سجن بعضهم، و بعضهم مات في السجن، و عندما حضرته الوفاة أوصى خليقته المعتصم بمواصلة امتحان الناس بالقول بخلق القرآن [12].

و الشاهد الرابع هو أن ابن خلدون كال المديح للمأمون و وصفه بصفات لا يستحقها، و نسي أو تناسى أنه –أي المأمون- كان من رؤوس المعتزلة القائلين بخلق القرآن، و كبار علماء السلف قد ذموهم، و كفروا القائلين بخلق القرآن، منهم: سفيان الثوري، و سفيان بن عيينة، و يحيى بن معين، و وكيع بن الجراح، و احمد بن حنبل، و يزيد بن هارون، و عبد الله بن المبارك،و علي بن المديني، و غير هؤلاء كثير [13]، فتدبر ذلك. و عليه فلا يصح لابن خلدون المبالغة في مدح المأمون و إلحاقه بالخلفاء الراشدين في الأخذ بسيرهم،و قد ذكرنا طرفا من أخطائه و جرائمه سكت عنها ابن خلدون.

سابعا: دفاعه عن إدريس بن عبد الله العلوي:

دافع ابن خلدون عن نسب إدريس بن إدريس بن عبد الله العلوي، و قال إن الطاعنين فيه قالوا إن إدريس هذا هو ابن مولاهم راشد،و ليس ابن إدريس الأكبر، و هؤلاء الطاعنون في نسبه هم العباسيون و من أيدهم، محاولة منهم لوضع حد لدولة الأدارسة العلوية بالمغرب الأقصى، ثم قال ابن خلدون: ((على أن تنزيه أهل البيت عن مثل هذا من عقائد أهل الإيمان، فالله سبحانه قد أذهب عنهم الرجس، و طهرهم تطهيرا، ففراش إدريس طاهر من الدنس،و منزه عن الرجس بحكم القرآن)) [14].

و ردا عليه أقول: أولا إنني لا أناقش مسألة صحة نسب إدريس من بطلانه، و إنما أناقش ابن خلدون و أرد عليه في طريقة الاستدلال التي اتبعها في إثبات صحة نسب إدريس، لأنني أرى أن دليله كان ضعيفا جدا، و استدلاله بالقرآن كان خطأ.

و ثانيا إن آية التطهير لا تدل على ما ذهب إليه ابن خلدون، و يجب فهمها ضمن سياقها الذي وردت فيه، فالله تعالى يقول: ((يا نساء النبي لستن كأحد من النساء، إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، و قلن قولا معروفا،و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، و أقمن الصلاة و أتين الزكاة، و أطعن الله و رسوله، إنما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يُطهركم تطهيرا،و اذكرن ما يُتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة، إن الله كان لطيفا خبيرا)) –سورة الأحزاب/32 - 34 –

فهذه الآيات خاطبت زوجات الرسول-عليه الصلاة و السلام- و أمرتهن بجملة أوامر، فبدأها الله تعالى بالأوامر و ختمها بها، و أثناءها قال الله تعالى: ((و إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت و يُطهركم تطهيرا)) فجاءت الآية بصيغة المذكر لأن رسول الله داخل معهن، و هو أول أهل البيت، كما أن الآية قالت أهل البيت و لم تقل آل البيت، و الأهل أخص،و الآل أعم، فالآية ليس فيها توسيع لتشمل الآل.

و واضح أيضا أن آية التطهير مُعلق تحقيقيها بتطبيق الأوامر و لا تتحقق إلا بها، لذلك قال تعالى: ((إنما يُريد الله ليذهب))، فهذه الإرادة متوقفة على الالتزام بتلك الأوامر، فمن التزم بها طهّره الله تعالى،و من لم يلتزم بها لا يُطهره.

و هذا التطهير الموعود ليس خاصا بأهل البيت فقط، بل هو يعم كل المسلمين، فكل مسلم قام بتلك الأوامر يُطهره الله تعالى، لقوله: ((خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها)) -سورة التوبة/ 103 - ،و ((و لكن يُريد الله ليطهركم و يتم نعمته عليكم)) –سورة المائدة /6 - .

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير