وأستطيع أن أقول إن محمد بن سعد كان على اتصال بأكبر رجال الحديث في عصره، سواء أكانوا شيوخاً أم تلامذة، ومن يطلع على الطبقات يجد له منهم شيوخاً كثيرين منهم: سفيان بن عيينه، وأبو الوليد الطيالسي، ومحمد بن سعد الضرير، ووكيع بن الجراح، وسليمان بن حرب، والفضل ابن دكين، والوليد بن مسلم، ومعن بن عيسى وعشرات غيرهم.
ولو راجع القارئ تراجم هؤلاء الشيوخ في كتب الرجال لوجد معظمهم ممن لديه عدالته.
وهذا راجع القارئ تراجم هؤلاء الشيوخ في كتب الرجال لوجد معظمهم ممن لا يشك في عدالته.
وهذا ما يجعلني أعتقد أن المادة التي نقلها ابن سعد قد وجهت بالنقد الضمني لأنه تحري قبل نقلها أن تكون في الأكثر مأخوذة عن العدول والثقات.
وهذا الموقف هو الذي كسب لابن سعد تقدير معاصريه ومن بعدهم، فكلهم تقريباً وثقوه وأثنوا عليه حتى قال فيه الخطيب البغدادي: "محمد بن سعد عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته".
وبعد فكتاب الطبقات الكبرى لابن سعد عمل أضخم مما أراد أن يخدم به علم الرجال وعلم الحديث، فتحدث فيه عن الرسول والصحابة والتابعين إلى عصره، مقتفياً خطى أستاذه الواقدي، الذي ألف أيضاً كتاب (الطبقات)، ويبدو أن عمل ابن سعد شمل رواية الواقدي نفسه في السيرة والتراجم مضافاً إليها روايات أخذها عن غير الواقدي في السيرة والتراجم أيضاً.
وبعد أن انتهى ابن سعد من كتابه هذا في أكثر الجزأين الأوليين من سيرة الرسول r أضاف فصلاً عن الذين كانوا يفتون بالمدينة في عهد النبي - r - ثم أخذ يترجم للصحابة والتابعين، فشغل بذلك جميع الأجزاء الباقية من كتابه ما عدا الجزء الأخير الذي خصصه النساء.
وقد راعى في التراجم عنصرين: عنصر الزمان، وعنصر المكان. أما عنصر الزمان فقد تدخل في بناء الطبقات من أولها إلى آخرها، وكانت السابقة إلى الإسلام هي المحور الأكبر فيه، سواء اتصلت بالهجرة إلى الحبشة وموقعة بدر أولاً إلى غير ذلك من النقط الزمنية التي وجهت التقسيم في ذلك الكتاب.
ومن ثم بدأ بالمهاجرين البدريين ثم الأنصار البدريين، ثم بمن أسلم قديما"ً ولم يشهد بدراً وإنما هاجر إلى الحبشة أو شهد أحداً ثم من أسلم قبل الفتح وهكذا.
وبعد هذا تدخل العنصر المكاني فأخذ يترجم للصحابة ومن بعدهم على حسب الأمصار التي نزلوها.
وقد استفدت من هذا المصدر والذي يعد من أهم كتب الطبقات في الترجمة لأغلب الشخصيات التي وردت في هذا البحث.
واستفدت كذلك من الأحداث التي أوردها في كلامه حولهم.
والمصدر السادس والأخير في هذا التعريف هو (معجم البلدان):
للشيخ الإمام شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي، ولا يعلم شيء عن تاريخ مولده، وكل ما يعرف عنه أنه أخذ وهو حدث أسيراً من بلاد الروم، وحمل إلى بغداد مع غيره من الأسري فبيع فيها، فاشتراه تاجر اسمه عسكر الحموي، فنسب إليه وقيل له: ياقوت الحموي. وكان الذي اشتراه جاهلاً بالحظ، فوضعه في الكتاب ليتعلم فينتفع به في ضبط أعماله التجارية، فقرأ ياقوت شيئاً من النحو واللغة، ثم احتاج إليه مولاه، فأخذ يشغله بالأسفار في المتاجرة. ولم يمض زمن حتى أعتقه وأقصاه عنه. فطفق ياقوت يكسب رزقه بنسخ الكتب فاستفاد بالمطالعة علماً.
ثم سافر إلى حلب، وجعل ينتقل من بلد إلى آخر حتى استقر في خوارزم فمكث فيها إلى أن أغار عليها جنكيز خان سلطان المغول سنة (616هـ).
وقد استفاد برحلاته الكثيرة فوائد جغرافية عديدة سنحت له تأليف هذا الكتاب الذي لا يعد معجماً جغرافياً فقط، وإنما هو أيضاً كتاب تاريخ وأدب، ومصدر من أعظم المصادر التي ينبغي الاعتماد عليها في التعريف بالمدن.
ويتجلى في هذا الكتاب معرفة ياقوت الواسعة بالعالم وتجربته من خلال تجارته وأسفاره في أنحاء العالم الإسلامي، فلقد زار مصر والشام والعراق وفارس، وبلاد ما وراء النهر.
ومع ذلك فياقوت يعتمد في معجمه على النقل من كتب الجغرافيا العربية وكتب التاريخ الموجودة في حوزته، وهو أمين في نقله، إذ ينسب ما ينقله من مادة جغرافية إلى مصادرها التي نقل منها.
ويمتاز معجم البلدان بتربية على حروف الهجاء مما يساعد على سهولة الانتفاع بمادته، كما يمتاز باتساع مادته وغزارتها، وبالجمع بين المادة الجغرافية والمادة التاريخية والأدبية.
وقد قدم ياقوت معجمه بخمسة فصول تناول فيها صورة الأرض ومعنى الإقليم، والكورة، والمخلاف، والأستان، والرساتيق والطسوخ، والأجناد، واصطلاحات جغرافيه: كالبرق، والفرسخ وحكم الأرضين من حيث الفتح والخراج.
وقد استفدت من هذا المصدر القيم في التعريف بمعظم البلدان والمناطق التي وردت في هذا البحث من حيث الموقع والمساحة والأرتفاع.
وبعد ..
فقد أوضحت الأسباب التي من أجلها كان اختياري لموضوع هذا البحث، والمنهج الذي ألتزمته في كتابه، والمصادر التي اعتمدت عليها أو انتفعت بها في استقائي لمادته.
والله يعلم كم بذلت فيه من جهد، وكم كرست له من وقت حتى بلغت الغاية، وحققت الهدف مستعينة بالله، ومتوكلة عليه وقاصدة وجهه.
وقد عاونني في بحثي هذا أشخاص كثيرون لا أحصي أسماءهم، فلهم مني الشكر والتقدير، والابتهال إلى المولى القدير أن يثيبهم ثواب العاملين المحتسبين أجرهم عنده وثوابهم لديه.
وربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا، فأنر لنا الطريق واهدنا سواء السبيل. "
¥