تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأغاني رأى كل قبيح ومنكر، وقد أنكر الباحثون على مدى التاريخ استنادهم على الأغاني إذ ليس لروايات الأغاني قيمة تاريخية، ذلك أنه لم ينتقِ أوثق الأخبار من مظانها ولم ينقلها عن أهل الخبرة مهما ذكر ذلك في مقدمته، وقد زيّف صور الحياة العربية والمجتمع الإسلامي، فكانت مصدرًا مسمومًا للمستشرقين ودعاة التغريب يدلون عليها تلاميذهم.

ومع ذلك نرى أن طه ليس ناقدًا له باع في فهم النصوص، وكل ما وجهه إليه الكتّاب على مدار أبحاثه يدل على قصور واضح، فهو ليس بصاحب صناعة في النقد، ولا في الأدب على وجه التحقيق، ولكنه مراسل من مراسلي المعاهد التبشيرية العالمية لإثارة الشبهات ووضع السموم في قلب النصوص، وهو في هذا الإطار داعية الأدب المكشوف الذي يحاول أن يصم القرن الثاني الهجري بأنه عصر شك ومجون اعتمادًا على صورة مسمومة رسمها الأصفهاني لبعض الشعراء الماجنين المنبوذين من المجتمع الإسلامي العريق الحافل في هذه الفترة بطائفة من ألمع رجاله.

أخلاقية الأدب

هذه القضية من أخطر القضايا الأدبية على الإطلاق: قضية مفهوم طه للأدب في ضوء مفهوم الإسلام، فإلى أي حد يمكن للأديب أن يكون حرًا وإلى أي حد يمكن أن يصل (الصدق الفني)، وهل نحن كعرب ومسلمين يمكن أن نقبل بالنظرية الإباحية الغربية التي روج لها طه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهما؟! وهي نظرية إطلاق الكلمة دون لأن تكون لها ضوابط الأخلاق الإسلامية، ومن أجل أن يذيعها طه اختار لها ما يسمى (الصدق الفني) وهو تعبير زائف يراد به أن يكتب الشاعر والأديب والفنان الصورة الواقعية بما فيها من إباحيات وسموم وزيف، ويدعو إلى معاني مضللة زائفة كالواقعية وحرية الرأي، وهو يدرس الحرية كحرية أبي نواس فيقول: إن أبا نواس وأضرابه لم يبلغوا ما بلغوه في النفوس إلا باقتحام هذه العقبة وفكرة تلك العقود، وهو يرى أن حياة الدين كانت تجذب العرب إلى الوراء بينما تدفعهم الحضارة الغربية إلى الأمام ولهذا قال قولته المشهورة: (خسرت الأخلاق في هذا التطور وربح الأدب)، ولا ريب أن هذا المفهوم ضال ودخيل على فكر المسلمين، وقد أخذ عليه كثيرون شططه كالسيد رفيق العظم وكذا رماه الأستاذ المازني بالانحراف الخلقي الذي يسوغ له الرضا بالانحلال والمنافحة عنه.

وما من شك في أن مشكلة الفن والأخلاق من أعوص المشاكل الأدبية وخلاصة القول أن دعوى الاختلاف بين الفن والدين والأخلاق نشأت من اتباع نظرية (الفن للفن) ومرد الاختلاف إلى اعتبار الفن نوعًا من التعبير لا أزيد ولا أقل، فلا عبرة بالموضوع ذاته وإنما بمقتضيات التعبير، والفن لا يخضع لقانون التعبير، ومن هنا نشأ التضارب وسار عليه طه حسين فيما أسلفت من القول: (خسرت الأخلاق وربح الأدب). وهو موقف يوحي به ظاهر المذهب وقد شاع هذا الخطأ حتى أصبح تبريرًا لكل تبذّل مقصود وحجة يسوقها أنصاف الفنانين بين يدي الانحلال، يريدون أن يضفوا عليه ثوبًا من المشروعية الزائفة ينفقونه بها في سوق الغباء الفني، فغاية المذهب الحقة تخليص الأمة من القيم الدخيلة عليه ولم تكن قصاراه أن يقف من الأخلاق والأديان موقف التناقض والتدابير الذي وقفه طه حسين.

ويبدو صوت خبيث من طه حين يزعم من طرف خفي أن القرآن من صنع عبقري لا أنه كلام الله وأنه آية فنية إنسانية لا معجزة إلهية، وإذًا فينبغي أن يخضع لما يخضع له أي عمل إنساني من النقد والفحص والبحث العلمي، ولا عجب فلقد رضع كل هذا الحقد الدفين على المسلمين وربهم ورسولهم وقرآنهم من أساتذته المستشرقين، لذا يهب لدرء هذا الإفك العظيم كل كريم من رجال الأدب، ويقاتلونهم على إعجاز القرآن وحرمته وتقديسه ويدعونهم اتباع الإنصاف، لأن القرآن كتاب رباني له حرمته التي يجب أن يتهاوى على صخورها الشم كل زنديق ومكابر.

ومن هذا وذاك نستنبط أن المذهب الطاهوي اللئيم بتحرير الأدب من ربقة الأخلاق إذا تحقق كان الخراب والدمار، وما تركت أمة أخلاقها إلا ذلت وعمها البلاء، فلنأخذ بعين الحذر والاحتياط من كل ما يجوس حوالينا والله المستعان.

الترجمة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير