يحاول طه أن يثبت أن الأدب العربي في حاجة إلى مترجمات من الآداب العالمية وفي مقدمتها اللغة الفرنسية والأدب الفرنسي، وهو يذهب إلى أن يقتحم هذه الغاية فيقدم أسوأ ما في الأدب الفرنسي من نتاج حيث اختار في جميع مترجماته الأدب الفرنسي المكشوف، ولكي يرفع ثمن بضاعته يعقد مقارنة بين الأدبين العربي والفرنسي، فيعلن أن الأدب العربي قد أخذ من الأدب اليوناني القديم فلا بأس عليه أن يأخذ من الأدب الغربي الحديث، ويشيد بالأدب الفرنسي.
وهو في هذا يحاول أن يرد ما قاله أكبر أعداء الإسلام والعرب رينان وهو ينطلق من هذه المحاولة المبطلة إلى الدعوة إلى نقل الأدب الفرنسي. وليت طه نقل من الأدب الفرنسي بل نقل قلة الأدب، نقله مكشوفًا داعرًا لا حاجة للأدب العربي به، ولا يكون نتاجه إلا الفساد والتحلل.
وطه بذلك يهدف إلى أن يدخل مناهج الأدب الأجنبي في اللغة العربية لتغلب ثقافتنا العربية الإسلامية وتنازعها نفوس المسلمين من العرب وتؤدي خدماتها للنفوذ الأجنبي في حمل الفكر والثقافة، وهو كما قدم أبا نواس في حياته المضطربة المليئة بالإثم والفاحشة، فهو يقدم لك الشاعر الفرنسي بودلير تحت اسم الحرية والفن ويتحدث عن ديوانه (أزهار الفن) الذي وقف من أجله الشاعر للقضاء، ويقول: لقد أثارت حياة بودلير مسألة من أدق المسائل التي سيظل الخلاف قائمًا فيها أبدًا بين الفرد والجماعة، فهذه المسألة هي مسألة الحرية والفن.
وقد حرص طه من خلال برنامجه التغريبي الواسع أن يقدم في جريدة السياسة يوم الأربعاء شعراء المجون، وأن يقدم يوم الإثنين القصص الفرنسي المكشوف، وما كان هدفه من ذلك إلا لتقديم شحنة من الإباحيات من التراث القديم ومن الأدب الحديث ليغرق في بحرها اللجي جماعات كثيرة من العرب وغيرهم.
وهو بذلك كما قال المازني متسائلا: هل ترى بين تلك القصص الفرنسية وبين روح هذه الأمة صلة، أو بينها وبين روح هذه اللغة صلة، وإذا لم يكن فهل فيها شيء ينحدر من عناصر الفضيلة والعفاف منه قبل بدئها؟!، وهذا أهون ما يمكن أن يقال عنها، ولو كنا ضاربين مثلا لضربنا مثلا (الزنبقة الحمراء) التي ألفها أناتول فرانس، كان فيها من المعاني ما كنا نظن أن أستاذًا يستحي أن ينقله للناس، أو أن مجلة (الهلال) تنشره عليهم، ولكنا نأبى أن نشير بأكثر من هذا.
وصاحب الكتاب – أي طه حسين – قد دلّ على أنه ممن يرى إطلاق الفن من قيود الفضيلة، فلا يكون على الفنان حرج في أن يصور الرذيلة كيف يشاء بريشته أو بمنقاشه أو بكلمه ما دام يصورها، وفيما يتصل بأثر طه حسين في الترجمة ما قام بترجمته من بودلير الفرنسي المعروف أنه شاعر منحرف الذات والذوق الذي يقول في إحدى القطع بترجمة طه (كذلك نفسك التي يحرقها برق اللذة الملتهب تبدو سريعة جريئة نحو السموات الواسعة المشرقة).
هذا ويبدو هذا في إعلان طه رغبته عن ترجمة الفلسفات الأوروبية كما كان حريصًا على ترجمة شكسبير مما يجعل طه دائمًا مستظلا بظل أوروبا يقتطف ثمارها فجة وناضجة، مرة وحلوة، صغيرة وكبيرة.
نقد الشعر
يجمع بنصوص صريحة كل من العقاد وزكي مبارك ومحمود محمد شاكر أن طه حسين قليل الخبرة في فهم الشعر ونقده، وتجمع نصوص أخرى على أنه في كل معاركه التي دخلها عن الشعر كان موقفه ذاتيًا وكان يصدر عن هواه الشخصي، ولم يكن يملك من الأدوات ما يمكنه من حسن النظر ولا يملك من التماسك الشخصي ما يمكنه من سداد الرأي.
وموقفه من ناجي وعلي محمود طه واضح تمامًا في هذا الصدد، وحين أحسّ بأن خصومه السياسيين أثنوا عليهم حمل هو عليهم حملة واسعة عنيفة، وكذلك كان موقفه من محمود أبو الوفا. وكان العقاد والمازني قد أثنيا على ناجي وعلي محمود طه، وكان الرافعي قد أثنى على محمود أبو الوفا، وكان لا بد لطه حسين أن يعارضهما لحزازات قديمة أو خلافات سياسية.
وهذا الطه متناقض في هذا المجال أيما تناقض، فلقد أعلن بعد وفاة شوقي أن إمارة الشعر انتقلت إلى العراق حيث الرصافي والزهاوي، ولم يلبث إلا قليلا حين انتقل من حزب الأحرار الدستورين إلى حزب الوفد، حيث يوجد العقاد كاتبهم الأول فإذا به ينتهز أول مناسبة ليعلن أن إمارة الشعر هي من حق العقاد، ولم يلبث بعد قليل أن أهداها لمطران.
¥