تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولزكي مبارك ردٌّ عليه في ذلك كان مجمله موجِّهًا خطابًا له: (أشعتَ أن إمارة الشعر بعد شوقي قد انتقلت إلى العراق، أخطأت يا سيدي الدكتور، إن الشعر لمصر حتى آخر الزمان، وأنت نفسك حاولت أن تكفر عن ذنبك فخلعت إمارة الشعر على الأستاذ العقاد، وهو أديب فاضل بدليل أنك أهديت أحد كتبك إليه، ولكنه شاعر صغير بالقياس إلى العبقرية المصرية).

وقال الأستاذ مصطفى صادق الرافعي: (إنني حين قرأت كلام الدكتور طه لم أبحث بين ألفاظه عن يقين المتكلم واقتناعه وحججه وأدلته، بل بحثت فيه عن سخرية طه بالعقاد وبالشعراء جميعًا في أسلوب كأسلوب تلك المرأة العربية في قصتها المعروفة حين قالت لرجال قومها في أبيات مشهورة:

وإن أنتموا لم تغضبوا بعد هذه فكونوا نساء لا تغيب عن الكحل

غير أن طه في سخريته كالذي يقول: فإن لم تثبتوا أن فيكم من استطاع أن يخلف شوقي فاصغروا واصغروا حتى يكون العقاد هو أميركم. ويريد طه أن يدرأ عنه هذه الشبهة فيقول (أحب أن أؤكد لكم أني لم أبايع العقاد بإمارة الشعر وما كان لي أن أبايعه لأني لم أكن شاعرًا، وإنما قلت مخلصًا غير محابٍ ولا متأثرًا بالسياسة ولا مستعدًا للرجوع فيما قلت: إن الشعراء يستطيعون أن يرفعوا لواء الشعر إلى العقاد بعد أن مات حافظ وشوقي، فهو يستطيع أن يحمل هذا اللواء مرفوعًا منشورًا وأن تحتفظ لمصر بمكانتها في الشعر الحديث) ولكن قبح السريرة لديه تبدّى بعد موت العقاد فقد أعلن العقاد أنه لا يفهم العبقريات، وقد حمل على شعراء النظم وقسا في محاسبتهم، ولكنه لم يلبث أن شجع كتّاب الشعر الحر ودافع عنهم وقال (إن عمود الشعر ليس وحيًا قد نزل من السماء)، وهو في هذا يجري مع غايته وهواه في إدخال كل العناصر الأجنبية التي من شأنها أن تقضي على الأصالة، وموقفه من الشعر الحر أشبه بموقفه من اللغة والنحو، فهو يدعو إلى فتح الأبواب أمام كل جديد دون احتياط فسقطنا بين براثن لعبة الثقافات الأجنبية على اختلافها لإفساد قيمنا ومقوماتنا.

القصة

كان طه حسين من دعاة كتابة القصة في الأدب العربي الحديث حتى أنه قال (إن الأدب العربي الحديث رهن بظهور القصة، فإن لم تظهر فلا أدب ولا أدباء) ومن عجيب الأمر أن نجد القصاصين عندنا في الطبقة الدنيا من أدباء اللغة العربية وللقارئ أن يعدهم واحدًا واحدًا، هم جميعًا عالة على الآداب الأجنبية، يستوحونها بلا فهم ولا تبصر، وينقلون منها نقلا سخيفًا مشوهًَا يجرح الأذواق والنفوس، وهو في كتابة القصة يصل إلى نفس الهدف الذي قصد إليه من إحياء الشعر القديم أو ترجمة القصص الفرنسية المكشوفة، ففي قصة (أحلام وشهرزاد) أشبع المؤلف – كما يقول زكي مبارك – حاجته العنيفة إلى لذة الشك طليقًا من كل قيد، فليس في القصة صورة واحدة تثبت على حال أو تعبر عن معنى مستقر يسوق إلى غيره، فتراه يفترض وجود عالم وهمي تنحلّ فيه المشاكل بالسحر، ويتدخل السحر في الحرب والسلم، وقد بلغ حظه من هذا الفهم أنه وسع دائرة التنفيس عن كوامن نفسه فجعل عند حديثه عن شهريار وشهرزاد بطانة من قصة عفريتية أخرى تتمشى مع نفسها كما يتمشى الطفل، وابتكر لذلك حكايته الملفقة عن الملك طهمان ملك الجن وابنته فتنة، فلا أدري ألم يجد لتثقيف العرب إلا أن يبيعهم الأحلام والسحر الرخيص في مملكة العفريت طهمان. وفي قصة الحب الضائع التي حاول فيها أن يصور المجتمع الفرنسي، كان يقتبس اقتباسًا بائنًا وعندما ترجمت هذه القصة قال الفرنسيون: هذه بضاعتنا ردت إلينا، ويقول أحد الكتاب عنها أنها تعالج الصراع بين الحب والواجب، وهي فكرة فرنسية عولجت معالجة فرنسية بلغة عربية هي لغة طه حسين، فالحديث عنها بيّن، والقصة بلا أحداث.

وقال عنهالأستاذ فتحي غانم: إن الدكتور طه حسين لا يعرف كيف يكتب القصة القصيرة، وأن هذه حقيقة يجب إعلانها وتوضيحها لأن لطه حسين تاريخًا قويًا عميقًا في كل من عالج الأدب في مختلف صوره وألوانه، ولو ظلّ كتّاب القصة القصيرة متأثرين بأسلوب الدكتور طه حسين وبطريقته في كتابة القصة – كما كتبها في (في المعذبين في الأرض) – مثلا لتأخر ذوقنا ووعينا الأدبي، وطه حسين مسئول بمثل هذه القصة الساقطة التافهة عن نكبة مصر القصصية، وهو مسئول بلغته عن بعد القصص عن الواقع الحيّ، والأسلوب الذي يتخذه طه في كتابته القصة نقص أدبي،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير