لأن الكمال الأدبي يستلزم أن تكون اللغة ملائمة للحياة، وهو نقص خلقي لأنه كذب، كذلك للكاتب على نفسه وعلى معاصريه حقوق، وهو بحكم ظروفه لا يستطيع أن يكون قصّاصًا، وكان من المحتمل أن يكون طه حسين شاعرًا ولكنه لم يفلح أيضًا في إبداع الشعر، وكان على مدى عشرين عامًا يحطم (كنافد) كل محاولة لكتابة القصة في مصر، وقد استقر في قرارة نفسه أنه عاجز عن كتابتها وانقلب إلى مدرس سخيف للغة العربية يصحح أخطاء الكتاب ويتباهى بقدرته على لغة قحطان وسيبويه.
وهكذا نرى أن هناك ظاهرتين واضحتين في أدب طه حسين هما الشك والجنس، ونقل صورة الحياة الغربية ومشاكلها إلى الأدب العربي لغيرما سبب واضح غير أنه يريد أن يشوه الأدب العربي بالصورة والمضامين الغربية عنها ليسقط الأدب بين مطرقة الرجعية وسندان الضعف.
اللغة العربية
ظلّ طه طوال حياته يدعي أنه نصير الفصحى، وأنه عدو العاميات وطالما ورد هذا في مقالاته وفي نقده لكتب الكتّاب وقصص القصاصين، ولكن عددًا من الأحداث الواضحة والمؤتمرات الكبرى كشفت عن خبيئة نفسه وأعلنت عن سريرته، إذ ظهر وجهه القبيح على أنه داعية من دعاة الشعوبية وعدو من أعداء الفصحى، وكان حريصًا على أن تجري الفصحى في مجاري العاميات، ويدل على ذلك صمته التام إزاء المؤامرة التي حاكها عبد العزيز فهمي حين دعا إلى كتابة العربية بحروف لاتينية، وذهب إلى آخر الشوط في الدعوة إلى التحرر من قيود النحو، وكان ذلك بسبب ادعاءاته التي لا يفتأ لسانه يذكرها، فهو يقول في آخر سمومه (مستقبل الثقافة): (اللغة العربية وما يضفي عليها رجال الدين من قداسة باعتبارها لغة دين، لغة وطنية ملك لنا نتصرف فيها، ولا حق لرجال الدين أن يفرضوا وصايتهم عليها)، ويقول في كتاب (الأدب الجاهلي): (اللغة العربية مقدسة ومبتذلة، مقدسة لأنها لغة القرآن والدين، وبالتالي لا يمكن إخضاعها للبحث العلمي الصحيح الذي يستدعي الإنكار والتكذيب والنقد والشك، ومبتذلة لأنها تدرس نفسها وبالتالي لا نستطيع إخضاعها للبحث العلمي الصحيح). وهو في محيط عمله في وزارة المعارف كان هدفه هو انتزاع الدراسات العربية من حضانة الدين والقرآن، وكذا القضاء على تميز دار العلوم في مجال اللغة العربية ومكانة الأزهر في الميدان الديني، واتبع في ذلك أساليب ماكرة تنم عن شخصية خبيثة:
1. فصل الدين عن الأدب: وهو هدف تغريبي حمل لواءه باسم حرية الأدب، فكان معناه فتح الطريق أمام الأدب الإباحي، ويظهر ذلك جليًّا في كتابيه (حديث الأربعاء والشعر الجاهلي).
2. فصل الدين عن اللغة: وذلك بادعائه كما أسلفنا أن اللغة العربية ليست ملكًا لرجال الدين، وقوله بأنها مقدسة ومبتذلة.
3. إدخال كثير من الألفاظ العامية والإيحاء بأنها من أصل الفصحى بمسميات براقة كالأدب الشعبي أو الرجز لقطع حبل الصلة بين العرب عامة ولغتهم القرآنية.
4. زعمه بأن الناس مجمعون على أن تعلم اللغة العربية وما يتصل بها من فنون وعلوم يحتاج إلى تطوير وتغيير ليماشي العصر، وهو في اقتراح قدمه لوزير المعارف عام 1935 فألقاه في سلة المهملات، ولكن ما حدث بعد سنتين أن تلميذه إبراهيم مصطفى ألف كتابًا قدم له طه حسين وأطلق عليه اسم (إحياء النحو) في خطوة أولى لهدم العربية.
5. استبعاد الأزهر عن القيام بوظيفة الدين، لأنه كما يزعم لا يحقق للدارسين فيه عمق الثقافة وحرية الفكر.
6. قطع الصلة بالأدب القديم: وذلك عن طريق إهمال الأدب العربي الأصيل والعناية بالتافه من الأدب الحديث بتجنب جزالة وروعة وفخامة أسلوب القديم.
7. تأليف معاجم محلية: لإضاعة اللغة بالكلية وإكمال المسرحية بكتب هزيلة في النحو يتولاها إبراهيم مصطفى ويعتني بها طه حسين.
8. كتب القراءة الحديثة التي لا تثبت النصح الذي أجمع عليه العرب والمسلمون بدعوى غرابته وثقله.
9. محاولاته اللئيمة لتيسير الكتابة بزعمه وكتابتها حسب اللفظ، الشيء الذي قال عنه العقاد أنه يزيد من مشكلات الكتابة ويوقع اللبس والاختلاط لا التيسير.
النحو
¥